بعد أن غادر وطنه منذ سنتين، قرّر غالب حويلا تكريم جذوره اللبنانية بقطعة فنية يخلّدها الزمن، عبر استخدام موهبته الفريدة الممزوجة بالنكهة العربية. وفي حديث لـ"النهار"، كشف حويلا عن القصة وراء ابتكار هذه القطعة الفنية، التي مثّلت زمن الانهيار المالي، ممزوجةً بخطوط سوداء تمثل أبعاداً فنية.
عرضت القطعة في مزاد علني، وبيعت ليعود ريعها بالكامل إلى الأيتام والعائلات المحتاجة خلال العيد.
"ليرة منهارة"
يقول حويلا: "أنا أدمج بين الخط المكوّن من الإحساس أكثر من المنطق وبين اللون الأسود الذي يغطّي قيمة الليرة، إذ نشهد انهيارها يوماً بعد يوم. فهذه الورقة النقدية كانت تجلب لنا السعادة في طفولتنا خاصةً خلال فترة عيد الفطر، لكنّها مع تدهور الوضع أضحت تساوي سنتاً أميركياً واحداً فقط". ويضيف: "مع مرور السنين وبُعد مسافتي عن لبنان شعرت أنّ من واجبي تكريمه؛ فعلاقتنا مع الوطن تبقى متجذّرة في قلوبنا مهما اغتربنا، وحاولت أن استعيد طفولة بريئة كان يتمتع بها معظم اللبنانيين".
أما بالنسبة إلى القطعة، فقد تمّ بيعها بالمزاد العلني بمبلغ وصل إلى 1000 دولار. ويلفت حويلا إلى أنّ هذه القطعة تعكس القوة التحويلية للفن، إذ إنّ عملة ورقيّة بسيطة بقيمة سنت تحولت إلى تحفة فنية بقيمة ألف دولار، وهي دلالة على تمتّع الفن بالقدرة على تجاوز القيمة المادية وملامسة الروح البشرية.
فنّ عربي ومدرسة تشكيلية
عن فنّ حويلا الفريد، يشرح لنا ابن الجنوب وبلدة البرج الشمالي بأنّه استهل مسيرته في مجال التخطيط العربي (calligraphy) بحثاً عن الهوية، ويقول: "بدأت الرحلة للبحث عن الهوية البصرية خاصةً في مجال تصميم الغرافيكس الذي كنت أتعلّمه آنذاك، والذي كان بنكهة أوروبية منبثقة من الحركة الألمانية الباروكية، ومن هنا بدأت تراودني أسئلة عدّة: ما هي هويتنا؟ وأين هويتنا العربية؟".
(امتنان لأعلى قوّة)
(كون مع اللّه)
(محمود درويش)
وأردف قائلاً: "في لبنان، نواجه معضلة الهوية إذ إنّ انتماءنا يعود إلى حرية شخصية بسبب عدم توحيدنا، بالرغم من أن جميعنا نعتبر لبنان قطعة من قلوبنا. لكن نظرة هذه القطعة تتغيّر لدى مختلف الأفراد، تالياً لدينا تعدّد هويات في بلد واحد. لكنني إذا سُئلت عن هويتي فسأجيب بأنني نصف عربيّ ونصف لبناني، وأنا أمضي في مسيرة تحرّر الخط العربي من خلال فني وتعلّم التخطيط، خصوصاً أنني أحاول أن أطوّر نفسي بمساعدة أساتذة مخضرمين، منهم الخطاط صدام حسين".
(رقصة رومي)
(نزار قباني الموج الأزرق)
وحين نعبر في شوارع وأزقة بيروت، يجذبنا فنّ حويلا المطبوع على الجدران على هيئة رسوم غرافيتي بالخطّ العربي، إذ يرى أنّ ثقافتنا تفتقد إلى الخطّ العربي، ولذا يحاول التعمقّ أكثر في هذا المجال. وقد بدأت مسيرته تتبلور بعد معرض عام 2017، والثاني في سوريا مع خطاطين كبار، ليحمل فنّه إلى العالمية.
(عيد الاستقلال، في الحمرا)
(محمود درويش، مدينة صور)
يعلّق حويلا على وضع الفنّ في لبنان، معتبراً أنّ "بلدنا يسابق عصره، يمنحنا الحبّ والدفء، ناهيك بالإبداع. ولاحظت ذلك من خلال كمية المعارض الفنية التي تُعرض اليوم، والتي تُعتبر بمثابة متنفّس، خاصةً في ظلّ الأوضاع الصعبة حيث الفنّ يبقى من الأمور التي لا تموت".