غاب الفنان والرسام والنحات حسين ماضي اليوم عن عالمنا جسداً، لكنه ترك بحراً من الأفكار والأعمال الجمالية المشتبكة مع الواقع. لقبه كثيرون بـ"بيكاسو العرب". حارب ماضي قسوة الحياة بالجمال والريشة والألوان، وبالجمع بين التناقضات الكثيرة. بقيت المرأة أيقونة والطبيعة سنداً والوحوش حاضرة في محضر الصراع من أجل البقاء. في الآتي، نستعيد قراءة في أعماله من خلال كتاب "الأنثى نواة الفن الأول، وقوعات في تجارب تشكيلية لبنانية" عالم ماضي للدكتور علي العلي:
السلسلة طويلة طبعاً. ما يشغل #حسين ماضي موضوعات ليست #المرأة سوى جزء منها، العصافير، الأشجار، وسواها... فيرى أنّ المرأة ظلّت هي الموضوع الأثير لدى الفنان. وربما كانت الأكثر جذباً لانتباهه واهتمامه خلال مراحل إنتاجه، وهذا ما يؤكده كلّ من تابع أو كتب عن حسين ماضي وأعماله.
لا يترك حسين ماضي للمشاهِد المتابع أن يتساءل كثيراً وهو أمام عالم لوحاته، عن منحى ومردّ اهتمامه بالمرأة في تصويره الجسد الإنساني عموماً والنسائي خصوصاً.
أحبّ #النساء
قارب الدكتور علي العلي في كتابه "الأنثى نواة الفن الأول، وقوعات في تجارب تشكيلية لبنانية" عالم ماضي، من خلال ما صارح نفسه به مراراً حين قال: "أحبّ النساء، وحبي لهنّ يدفعني إلى رسمهنّ وتلوين أجسادهنّ ووجوههنّ على القماشة. كذلك أشتغلّ على جسد المرأة نحتاً، وفي ذلك متعة كبيرة لي، فمعرفة النسب والمقاييس الجمالية لجسد المرأة هي الحافز الأساسي في هذه المغامرة الفنية الممتعة".
ويؤكد: "أشعر أحياناً بأني أسير مجموعة هذه التكوينات والخطوط التي تشكّل جسدها، وهي إغراءات لا أقاومها بل أستسلم لها فنياً".
بلبل وغيرة في النفس
"المرأة ليست هي الموضوع الوحيد الذي شغف فيه الفنان، فدأب الفنان الشغف وخاصّة الغريب منه"، وفي كتاب (ماضي - حياة لا محدودة) مثلاً، يتحدث الفنان عن صداقة مع بلبل ذي صوت جميل، أدت إلى رسوم لا تحصى مثّلت العصفور في كلّ الأوضاع الممكنة، ورسّخت العصافير في ذهنه، وتالياً في أعماله. عصافير تطير بلا رقيب وتثير حرّيتها غيرة في النفس.
في تفاصيل أعماله، كتب جوزف طراب، وفقاً لما نقله العلي، عن كتيّب معرض حفر لحسين ماضي، وتحديداً أعمال حفر على الزنك واللينوليوم، قال: "نعرفه حفّاراً ورسّاماً. ها هو يفاجئنا برسمه وحفره: باللينوليوم والزنك والأسود السخام المعرق بالنور، فلم نعد نعرف بماذا نعجب أولاً: بجرأة التقنية أو تقنية الجرأة: ببراعة التخطيط أو تخطيط البراعة، بالأيروسية النبيلة أم بالنبل الأيروسي... بمسار اللذة أم بلذة المسار... بغنى العري أم بعري الغنى... بتجسيد الحسّية أم بحسّية التجريد... كلّ هذه الأزواج ليست سوى الصور الرمزية للأزواج الأصلية: الأسود المطلق والنور اللانهائي، الخط المذكر والمنحني الأنثوي...".
حياة بلا حدود
وخلص إلى أنّ هذا الشغف بالأنثى لازم ماضي في معظم أعماله، وتجلّى واضحاً في المعرض الاستعادي الضخم "حياة بلا حدود"، الذي أقيم في مركز بيروت للمعارض بالتعاون مع غاليري عايدة شرفان. شدد العلي على أنّ الأعمال الثمانِمئة التي عرضت، والتي تعود إلى مراحل وأساليب وتقنيات مختلفة من ممارساته التي شملت الرسم والنحت، تُطلعنا بوضوح على مسيرة فنان حلّت الأمومة والخصوبة في فيض أعماله وبخصوصية مدهشة.
توقف العلي عند العلاقة بين الشغف والاختزال الشديد عند حسين ماضي، و"لعل الشغف بالإتقان هو ما يميّز التكاوين الغارقة بالاختزال لحسين ماضي". ويضيف: "لكنه بالرغم من الاختزال الشديد، لا يصل إلى حدّ التشويه، الذي تعمّده بعض الفنانين. أو لعلّه إفساد من نوع آخر ذلك الذي تُرسَم به نساء حسين ماضي بخطوط حادّة وواضحة تبرز حضورها الجسدي بمبالغات شهوانية".
برأيه، "هذا ما تستشفّه أينما توقفت أمام أنثى من نسائه، لترى ميله الواضح في رسم خطوط جسدها أو حركته، مقروناً بشغف تتضح معالمه مع ضربة فرشاة، ومرتكزاً إلى معرفة وافية بأصول التشريح، التي طالما عدّها حسين ماضي أساساً يصعب النفاذ إلى عمق الحركة من دونه".
ولع #الطبيعة
ماذا عن الطبيعة؟ يتابع العلي تحليله عن الرابط العضوي بين حسين ماضي والطبيعة، حيث "نلمس عند حسين ماضي ولعاً خاصّاً واستثنائياً بالطبيعة وسحرها، وهو يعلن أنّ لها منزلة مميزة عنده". برأي علي، الطبيعة بالإجمال يعدّها الفنّانون من شعراء وموسيقيين فضلاً عن الرسامين وغيرهم الملهمة الأولى، لأنّ الشعور بالطبيعة وأحضانها يتماثل في توترات الفنان وإيقاعاته بأحضان الأمهات".
يمزج حسين ماضي في منظر طبيعي بأناقته وإتقانه المعهود، بين قلم الرصاص والفحم والأحبار السوداء والبنّية، واللوحات الورقية والقماشية ولوحات الطيور والنساء العاريات والثيران معاً، في حبكة أقلّ ما يقال فيها بأنها غنية بالمفردات التشكيلية الثريّة بالمعاني. وهذا الاكتمال الجمالي، في نظره، يتأتى من الطبيعة. ويقول في هذا السياق: "الطبيعة معلّمتي الوحيدة، ولا تنبع الأعمال العظيمة إلا من الخالق الأكبر".
Twitter:@rosettefadel