تدخل إلى صفحات إلكترونية لغرض معين، فتقع على ما يشبه المقالة عن "ع مفرق طريق" للارا سابا، الفيلم الذي شارك في مهرجان البحر الأحمر السينمائي (1 - 10 الجاري). تقرأ باستغراب انه عُرض "وسط حفاوة بالغة من الجمهور". تسأل نفسك اذا كنت أنت وصاحبة الخبر في الصالة نفسها. وهل شاهدتَ الفيلم نفسه. وما إذا كنت محاطاً بالجمهور نفسه. هذا هو الإعلام الذي سيطر على العالم العربي اليوم. اعلام تضليل ومبالغات وزيف. في حديث عفوي على باب احدى الصالات، لاحظ زميل ان كثراً من الصحافيين العرب الموجودين في المهرجان يبالغون في مدح السينما السعودية الناشئة، مستغرباً هذه المجاملات التي لا تساعد الآخرين في شيء.
هل هذا يعني ان استقبال "ع مفرق طريق" كان عكس ما يدعيه الخبر؟ نعم. كل شيء كان يتسم بالفتور - أو أقل بقليل - في صالة الغالا داخل قصر ريتز كارلتون الفخم. الكراسي المتباعدة بعضها عن بعض والإضاءة الخافتة وطاقم الفيلم الذي قال كلاماً عادياً عند صعوده إلى المسرح لتقديم العمل؛ هذا كله ساهم في خلق جو باهت، فضلاً عن كونه فيلماً يغرق في الافتعال والتكرار منذ اللحظة الأولى حتى صعود جنريك النهاية - والحمدالله. هذا، مع إني دخلتُ الصالة بروح إيجابية، فالإعلان الترويجي أعطاني الشعور الخاطئ بأننا حيال فيلم كوميدي خفيف الظل يغازل السينما الجماهيرية، ومشغول بلغة سينمائية جيدة تحترم عقل المُشاهد بعيداً من الأفلام التجارية اللبنانية التي تهدف إلى الربح المادي السريع. لكن، هناك فرق بين إعلان لا يستغرق سوى دقائق، وفيلم يدنو إلى الساعة ونصف الساعة. لارا سابا في ثاني تجربة إخراجية لها، بعد عشر سنوات من "قصّة ثواني"، أخفقت بشدة، وقدّمت فيلماً هو عبارة عن حلقة تلفزيونية تُشاهَد على "نتفليكس"، لكنه لا يليق بمهرجان سينمائي.
يدّعي الفيلم انه "يبرز لبنان الجمال نقيضاً لبشاعة الزمن". هذا ما جاء في الدعوة الى حضور العرض المخصص للصحافة. يقع الخطأ في الأسباب التي دعت إلى إنجاز الفيلم قبل أخطاء الفيلم نفسه. فالجمال الذي يدّعي الفيلم إبرازه غير موجود لا في الفيلم ولا في الواقع. والجمال السينمائي لا يتأتى بالضرورة من إبراز الجمال، بل أحياناً من إبراز البشاعة. لكن، باختصار، الفيلم غير مشغول بهذا كله، فهو ضرب تجاري لا أكثر.
طاقم الفيلم خلال عرضه في مهرجان البحر الأحمر.
القصّة العجيبة: نجم تلفزيوني شاب (شادي حداد) يقرر التوجه إلى بلدة واقعة في وادي قنوبين بحثاً عن بعض الراحة. هذا الممثّل تلقى عرضاً للاضطلاع بدور الحبر الأعظم في روما (كليشيه رقم 1). لكن، عند وصوله إلى القرية التي ينوي الاقامة فيها، تصطدم سيارته بدراجة فتاة (ربى زعرور) تعيش في فرنسا (كليشيه رقم 2)، وهي هنا لزيارة خالتها الراهبة (جوليا قصّار) والراهبات الثلاث (بيتي توتل وسينتيا كرم وميرنا مكرزل) اللواتي يقمن في الدير معها.
لا حاجة لكشف المزيد عن الحبكة، فالفيلم بعد بداية متعثرة سيجد نفسه سريعاً في فم تمساح يأكل لحمه ويرمي عظامه في وجهنا. المونتاج الضعيف سيحول المفارقات والأحداث المتسارعة إلى مجرد متتاليات بصرية بلا وحدة بينها. أسوأ ما يمكن ان يحدث لفيلم كوميدي هو ألا يضحك المُشاهد. لم تكن في الصالة الا ضحكات تهذيب من باب احترام الجهد المبذول. بعد ذلك، يغدو الفيلم كليبات سياحية لمنطقة جبلية، مع حركات كاميرا تكشف روعتها التي يكتفي بها المشاهد منذ المرة الأولى، لكن المخرجة لا تراها كافية، فتروح وتجيء إلى اللقطات نفسها لتقدّم نتائج متطابقة، في ظل غياب أدنى فكرة إخراجية.
مع ذلك، يحمل الفيلم شيئاً من الفائدة: فقد يفيد لاستخراج بعض الأفكار المرمية هنا وهناك على سطحه، والتي يمكن استغلالها لتحويلها إلى أفلام. أفلام أخرى طبعاً، وليس هذا الفيلم! فعلاً، "ع مفرق طريق" يمدك برؤوس أقلام لمشاريع مستقبلية محتملة يمكن تطويرها. هناك إذاً مشاريع عدة تلوح في الأفق: واحد عن الفلاحين والصعوبة في صرف محصولهم الزراعي، آخر عن البيروقراطية في لبنان ومعاناة المواطن الذي تُسرق سيارته، وثالث عن كواليس تصوير المسلسلات الهابطة في لبنان. قد لا تنقذ المشاريع الثلاثة السينما اللبنانية، لكنها بداية مقبولة.
المشاهد القليلة التي يمكن انقاذها والتي لا يتخطى عددها الثلاثة أو الأربعة، فيها بعض الوثائقي. لعله كان من الأفضل للارا سابا ان تتجه إلى السينما التي توثّق الواقع، فالدراما ليست ملعبها - أقله هنا، وخصوصاً ان الممثّلين يفتقرون إلى الإدارة، وهذا يخرّب الفيلم المفترض انه كوميدي والكوميديا تعتمد بشكل خاص على الأداء والإيقاع بين الممثّلين. باستثناء جوليا قصّار (وبيتي توتل إلى حد ما)، الأداءات دون المستوى المطلوب، في حين شادي حداد يمنح الانطباع المتواصل بأنه يقدّم برنامجاً تلفزيونياً بذراعين مفتوحتين. الانسجام بينه وبين ربى زعرور كهرباؤه مقطوعة. خطيئة الفيلم الاعتقاد ان وضع بعض الشخوص داخل ديكور طبيعي كاف لصناعة فيلم. أما الموسيقى، فهي جريمة موصوفة. أقل نوتة منها كفيلة بنسف المشهد بالكامل.