النهار

برلين 73 - "فتى الديسكو": حكاية فاوستية في مجاهل النيجر
هوفيك حبشيان
المصدر: "النهار"
برلين 73 - "فتى الديسكو": حكاية فاوستية في مجاهل النيجر
“فتى الديسكو” المشارك في مسابقة مهرجان برلين.
A+   A-
"فتى الديسكو" (مسابقة) للمخرج الشاب جياكومو ابروتسيزي أحد الأفلام الصادمة والقاسية من تلك التي نافست على "الدببة" في هذه الدورة من مهرجان برلين السينمائي (16 - 26 شباط). فيلم أنجزه سينمائي لا يزال في مقتبل تجربته، وهذا أول عمل روائي طويل له بعد سلسلة أعمال قصيرة ووثائقية. ابروتسيزي إيطالي درس في فرنسا واشتغل كمصوّر في الشرق الأوسط ومقيم حالياً بين باريس مدريد، ولقاء الثقافات من صلب عمله. أما الفيلم فهو إنتاج فرنسي، فيما بطله من روسيا البيضاء. هذا إن دل على شيء، فعلى الطابع الكوزموبوليتي لأفلام هذه الدورة. يندر العثور على فيلم يحمل جنسية خالصة، معظم ما شاهدناه أعمال مشتركة، ليس على المستوى الانتاجي فحسب، بل روحاً وأماكن وشخصيات.


معظم الأفلام تتداخل فيها الهويات لتقول حال العالم التي نعيش فيها اليوم. تنوع الهويات لا يشمل من هم خلف الكاميرا فحسب، بل يطال أيضاً تفاصيل الحكاية، كحكاية ألكسي (فرانز روغوفسكي)، شخصية الفيلم الأساسية. ألكسي يهاجر من بلاده روسيا البيضاء، لينخرط في الفيلق الأجنبي، وهو فرع من فروع الخدمة العسكرية التابعة للجيش الفرنسي، أعضاؤه مشاة مدربون تدريباً رفيعاً، الا ان الفرق مع الجيش التقليدي هو ان باب الانضمام اليه مفتوح أمام جميع المجندين الأجانب الراغبين في الخدمة ضمن القوات المسلّحة الفرنسية.


هناك الكثير من الحدود في أفلام هذه الدورة، معنوية ورمزية ومادية، وألكسي سيعبر واحدة منها، وصولاً إلى باريس، وهو موعود، مقابل انخراطه في الفيلق، بالجنسية الفرنسية. باختصار: سيصبح مرتزقاً، وسنراه سريعاً يُزج به في حرب ليست حربه، في النيجر، حيث سيحارب فقراء يحاولون التصدّي إلى شركات النفط التي تهدد بقاء قريتهم، ومن هؤلاء جومو (مور ندايه) المقاوم الأفريقي الشرس. الفيلم سيضعهما معاً وجهاً لوجه.
 

 المخرج الشاب جياكومو ابروتسيزي.

يقول ابروتسيزي ان فيلمه حكاية فاوستية، نسبةً إلى فاوست، شخصية الحكاية الألمانية الشعبية التي تبرم عقداً مع الشيطان مسلمةً اليه روحها. وهذا ما يحدث مع ألكسي، الشاب الطموح الذي لا يمكن تصنيفه شريراً. هو فقط مثل ملايين الناس الذين يحاولون الخروج من حالتهم الاجتماعية التي تحاول اقناعهم انها حتمية ومصير. الا انهم، في النهاية، بدلاً من محاربة مَن حاصرهم في مثل هذه الحالة، يحملون السلاح ويشنّون حرباً، خلف الحدود وبعيداً من مكان اقامتهم، ضد مَن هم في مثل ظروفهم. مع ذلك، ألكسي وجومو لا يتشابهان. ثمة فرق بين مَن يحاول الدفاع عن أرضه ومَن يحاول نيل جواز سفر بثمن باهظ. يحاول الفيلم ان يقرّب المسافات بين الأضداد، ليتبين انهم انعكاس بعضهم لبعض. في الحروب، يقول المخرج، اعتدنا ان نرى الأشياء من وجهة نظر واحدة. نادراً ما نرى الآخر، أي العدو. قرار تناول هذه الحكاية من وجهتَي نظر، قرار سياسي وسردي في المقام الأول. ينجح ابروتسيزي، في أولى تجاربه الاخراجية، ان يطرح وجهة نظر سليمة في اطار فيلم مشغول بحرية وجرأة، ممّا يجعلنا نترقب الخطوة التالية.





الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium