بعد "نار من نار" الذي لم يحصد النجاح الجماهيري الذي كان يستحقّه، عاد المخرج اللبناني جورج هاشم مع مغامرة جديدة: "لولا فسحة المترو" الذي افتُتحت عروضه في الدورة الثانية عشرة من مهرجان مالمو للفيلم العربي، حيث نال جائزة أفضل وثائقي. هذه المرة اختار هاشم النوع السينمائي الذي يتيح له التقاط الواقع بلا تمثيل، ليروي من خلاله حكاية مدينة هي بيروت. بيروت التي تقف على خشبة مسرح، هو مسرح "مترو المدينة" في شارع الحمرا (تأسس في العام 2011)، الذي قدّم على مدار عقد كامل استعراضات شعبية، من النوع النادر في العالم العربي ويستمد تميزه من مزيج الأنواع والمدارس، وكلها يندرج في إطار فنّ الكباريه وصناعة الترفيه. الحياة من خلال الفنّ والفنّ من خلال الحياة، هذا ما يرويه الفيلم عبر شهادات ثمانية من الذين تولوا أداءات عرض "هشّك بشّك" الذي اشتهر به "مترو المدينة". يحدث هذا في بقعة جغرافية شهدت تفجيراً ضخماً ولا يمكن قراءة معطيات الفيلم وشهادات مَن يتصدره إلا في ظل هذه الكارثة، ولو أنه صُوِّر قبل التفجير الذي وقع في 4 آب من العام 2020. فكلّ شيء بات مرتبطاً بهذه اللحظة في وجدان الناس، فما بالك بالفنّان.
"لولا فسحة المترو" لجورج هاشم.
جورج هاشم، صاحب فيلمين روائيين لا تغيب فيهما المدينة والشؤون المتّصلة بها، يعرف عمّا يتحدّث، وإن تكن لغة الفيلم الوثائقي وتقنياته ومفرداته جديدة عليه، لكن هذا لا يمنعه من الحفر عميقاً في شهادات الشخصيات للوصول إلى حيث يريد الوصول. من خلال هذه الشخصيات التي تختلف بعضها عن بعض - سواء على مستوى تجربة الحياة والرؤية لها والخلفية الاجتماعية لكلّ منها - نرى الأماكن التي تتقاطع فيها. فالشغف والخيبة والحزن أشياء يتشاركها الجميع، وهذا متأتٍ من التحولات الجذرية التي تخضع لها المدينة وتلقي بظلالها عليهم. حتى الفنّ الذي يتيح لهم التعبير عن الذات لا يعود كافياً.
ينهل الفيلم من التفاصيل التي يجدها أمامه. تفاصيل مستلّة من سيرة صنّاع الاستعراض والترفيه، حيث الخاص يلتقي العام لبناء فسيفساء عن حال المدينة والناس الذين يقيمون فيها. هذا كله يقدّمه هاشم في جولات متكررة على مواضيع مشابه بعضها للبعض الآخر ولكن غير مطابق بعضها للبعض الآخر. بالرغم من مزاياه، يمعن "لولا فسحة المترو" في المحلية، اذ تنعدم فيه القدرة على مد جسور مع واقع شبيه في أماكن أخرى من العالم. لا يفلح في التأسيس لخطاب شامل وأوسع، وهذه هي العلّة التي تجعل مشاهدته محصورة في بيئة من المهتمين والمطلعين على الواقع اللبناني أو المرتبطين به.
في مهرجان مالمو للسينما العربية، حيث عُرض الفيلم، كان لـ"النهار" اللقاء الآتي مع جورج هاشم.