تذكّر المخرجة الإيرانية المعارضة سبيده فارسي بأن المقاومة للنظام في إيران "متواصلة منذ 40 عاماً"، وتوجّه في فيلمها "ذي سيرين" المشارك في مهرجان آنسي الدولي للرسوم المتحركة تحية إلى قدرة مواطنيها على الاستمرار من خلال تناولها "فصلاً مهماً" آخر من تاريخ بلدها هو الحرب العراقية- الإيرانية.
ويتناول الفيلم الذي ينافس على جائزة مهرجان آنسي، وهو أول عمل من فئة الرسوم المتحركة للمخرجة، قصة يمتزج فيها الواقع بالجانب الروائي المتخيّل عن فتى في الرابعة عشرة يُدعى أوميد، بقي مع جده في عبادان، عاصمة الصناعة النفطية الإيرانية، خلال حصار الجيش العراقي لها عام 1980.
واستخدم الفتى أحد "اللِنجات"، وهي مراكب تقليدية تُصنع في جنوب البلاد، لإجلاء سكان مدينته الذين كانوا يقاومون على طريقتهم في آن واحد الغزو والأنظمة الجديدة التي فرضها الملالي بعد توليهم السلطة على إثر الثورة الإسلامية عام 1979.
وذكّرت المخرجة المولودة في طهران عام 1965 وكانت في عمر أوميد عندما اندلع النزاع الإيراني- العراقي (1980-1988)، أن هذه الحرب، وهي "الأكبر بعد حرب فيتنام في النصف الثاني من القرن العشرين"، كانت "فصلاً مهماً في تاريخ إيران" وكذلك في حياتها.
وتصفها خلال لقاء في أيار الماضي مع وكالة فرانس برس في مقر إقامتها الباريسي بأنها شكلت "نقطة تحول حقيقية في حياة جميع الإيرانيين".
وتضيف سبيده فارسي التي أقامت مع والدها في هذه المدينة العالمية الطابع عندما كانت "صغيرة جداً"، "لقد أثّر بي حصار عبادان زمناً طويلاً".
ورأت أن "اتخاذ الناس المدنيين قراراً بالبقاء لمقاومة العدو، من دون أن أي إمكانات عملياً" لمدة ثمانية أشهر، هو "أمر غير عادي". وشبهت ذلك "إلى حد ما بما نعيشه مع الأوكرانيين بطريقة مختلفة".
لكنها تلاحظ أن "النظام دأب على احتكار رواية هذه الحرب" التي استعمل خلالها "العدو الأجنبي لتطهير المجتمع من كل انشقاق ومعارضة".
وترى أن ثمة ضرورة لإعطاء "رواية الناس" وتحديداً من منظور "صبي هزيل (تجسّد شخصيته امرأة هي مينا كافاني) ليس بطلاً خارقاً" وفنانة استُلهمت شخصيتها من مجموعة مغنيات إيرانيات حُرمن حق الغناء في الأماكن العامة.
وارتأت مخرجة الوثائقي "طهران بدون إجارة" وفيلم "الوردة الحمراء"، اعتماد صيغة الرسوم المتحركة لتنفيذ مشروعها الذي كانت تضعه نصب عينيها منذ ثماني سنوات وحققته بمساعدة الرسام زافين نجار وكاتب السيناريو جواد جواهري.
وما شجعها على اعتماد هذا النوع هو صعوبة إعادة تكوين مشهدية مدينة دمرت كلياً خلال الحرب، خصوصاً أنها لم تعد تستطيع أن تطأها منذ عام 2009 نظراً إلى منعها من ذلك بسبب تاريخ علاقتها مع النظام.
فقبل انتقالها إلى فرنسا لدراسة الرياضيات عام 1984، اعتقلت سبيده فارسي في سن السادسة عشرة لإخفائها معارضة تبلغ 19 عاماً، عُثر عليها في منزلها ثم أُعدِمت.
ودعت في مقال نشر في كانون الثاني الفائت في صحيفة "لوموند" الغرب إلى التوقف عن التعاطي مع قادة النظام الإيراني الذي "يقتل أطفاله" و"يغتصب شبابه" من أجل "إخماد الثورة"، منذ وفاة مهسا أميني في أيلول الماضي بعد ثلاثة أيام من توقيفها من جانب شرطة الأخلاق في طهران على خلفية مخالفة قواعد اللباس الصارمة المفروضة على النساء.
وفي فيلم "ذي سيرين"، تخلع شابة حجابها لمعالجة شخص مصاب، ما يثير مخاوف أوميد. وهو مشهد تبلور قبل وقت طويل من الحوادث التي تذكّر بها.
وتلاحظ سبيده فارسي أن "الشعر يمكن أن يصبح سلاحاً يثير الذعر، وهذا ما يحدث اليوم في إيران. النساء يقاومن بخلع الحجاب ... وبالرقص في مواجهة الذخيرة الحية".
وترى في تضمين الفيلم هذا المشهد "مصادفة مؤثرة" تدل على أن "ثمة استمرارية في هذه المقاومة" التي تجلت في موجات متتالية منذ عام 1979 في مواجهة ما تصفه بـ"النظام الوحشي".
وتعتقد المخرجة أن سقوط هذا النظام "يستغرق وقتاً" لكن القمع الذي يمارسه في الوقت الراهن يُظهر أنه "يائس".