النهار

انفجار مرفأ بيروت مشهد من فيلم أميركيّ: سقطة أخلاقيّة تتجاهل المأساة!
شربل بكاسيني
المصدر: "النهار"
انفجار مرفأ بيروت مشهد من فيلم أميركيّ: سقطة أخلاقيّة تتجاهل المأساة!
لقطة من الفيديو الذي يوثّق انفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020، والذي استُخدم في فيلم "The Creator" بعد تعديله.
A+   A-
تستعدّ شركتا "20th Century Studios" و"New Regency" لإطلاق فيلمهما المقبل "The Creator" في 29 أيلول المقبل؛ غير أنّ العمل المنتظر وقع في جدل بسبب تضمينه مقطع فيديو حقيقيّاً يُصوّر انفجار مرفأ بيروت من نقطة قريبة.

على مسافة ستّة أيام من الذكرى السنويّة الثالثة لواحدة من أسوأ الكوارث التي مرّت على لبنان، والتي خلّفت أكثر من 220 ضحيّة وأكثر من 6 آلاف و500 جريح، عاد الحديث عن فيلم الخيال العلميّ والإثارة "The Creator" (إخراج غاريث إدواردز)، بعد أن لاحظ مقدّم سلسلة يوتيوب "Corridor Crew" نيكو بيرينغر استخدام مقطع فيديو حقيقيّ يوثّق لحظة حدوث الانفجار في الرابع من آب 2020، وبناء مشهد سينمائيّ عليه، بمؤثّرات بصريّة حوّلت بيروت إلى لوس أنجلوس، وغطّت معالم العاصمة (شركة كهرباء لبنان مثلاً) بأبنية مماثلة للتمويه.
 
 
قبل ذلك بـ 12 يوماً، بُعيد إصدار الشريط الترويجيّ الرسميّ للفيلم، تعرّض "The Creator" لانتقادات حادّة لاستخدام مقطع فيديو من الانفجار، كجزءٍ من مشهد تأثيرات بصريّة تُظهر تدمير لوس أنجلوس في المستقبل عن طريق انفجار نوويّ تسبّبت به قوى الذكاء الاصطناعيّ. فقد لاحظ أوّلاً أحد مستخدمي تطبيق "Reddit" الأمر، قبل أن يتناوله نيكو بيرينغر عبر قناة "Corridor Crew" كجزءٍ من سلسلة "VFX Artists React" الخاصّة بفريقه.
 

في الفيديو الذي نشره بتاريخ 29 تموز، قال بيرينغر: "حين يتعلّق الأمر بالاستمتاع بفيلمٍ، فأنا أرغب بالغوص فيه"، مستطرداً: "أرغب في التفكير كم أنّ ما أراه رائعٌ (...)، ولكن عندما تكون المشاهد لأحداث فعليّة، فإنّها لا تعود رائعة أبداً".

بدوره، أجرى "يوتيوبر" ومُعدّ رسوم متحرّكة يُدعى كارثيك أوروغانتي تحليلاً مفصّلاً (frame-by-frame) لكلّ جزء من المقطعَين، وخلص إلى تأكيد فرضيّة التشابه، والتي تتخطّى الاستناد على مشهد حقيقيّ باعتباره مرجعاً وحسب لإنجاز مشهد سينمائيّ.
 


مسألة أخلاقيّة
يُثير استخدام لقطة حقيقيّة لفاجعة لم يمرّ عليها زمنٌ، ولم يتوصّل التحقيق حولها لنتيجة بعد، مسألةً أخلاقيّةً؛ ويُشكّل توظيف الحدث الحقيقيّ بإطار مُختَلَق لتصوّر رقميّ خياليّ غير متعلّق به، أمراً غير متوافق مع المشاعر العامّة والذاكرة الجماعية. والسؤال، كيف أُدرج مقطع الفيديو من انفجار المرفأ في فيلم أميركيّ ضخم؟

لم يُعرف من اتّخذ قرار استخدام المقطع وتعديله رقميّاً، ولا يزال السؤال قائماً حول تضمينه فعليّاً بالنسخة النهائيّة من الفيلم أو استخدامه فقط في المقطع الترويجيّ. ولم يُجب أيّ من "20th Century Studios" أو ممثّلي المخرج غاريث إدواردز بعد على طلب للتعليق.

أحد التفسيرات المحتملة هو أنّ فريق المؤثّرات البصريّة (VFX) في "The Creator" استخدم المقطع المصوَّر مادّةً مرجعيّة من دون معرفة سياقه.
 

فرضيّة أخرى تبرز في الإطار. فمن الناحية التقنيّة، ما عمد إليه فريق الـ VFX هو طريقة جيّدة للحفاظ على واقعيّة التأثيرات البصريّة، فالمراجع الحيّة تُستخدم غالباً في هذا النوع من الأعمال السينمائية، عبر دمج عناصر عمليّة حقيقيّة في المشهد. علاوة على ذلك، تُعتبر التقنية هذه طريقة جيّدة للحفاظ على ميزانيّة منخفضة. فميزانيّة "The Creator" بلغت نحو 86 مليون دولار، ويبدو من العرض الترويجيّ - والذي لا يُمكن البناء عليه بشكل قطعيّ للحُكم على العمل - أفضل من أفلام ذات ميزانيّات أعلى.

ولكن، بغضّ النظر عن التفاصيل الخلفيّة، فإنّ الفيلم وقع في سقطة أخلاقيّة لا يُمكن التغاضي عنها، وهو متّهم بالإفادة من مأساة حقيقيّة لتحقيق إثارة.
 
 
كثيرة هي الأفلام التي استندت في "المونتاج" على صور حقيقية لأحداث تراجيديّة، غير أنّ "The Creator" أخرج لقطة الانفجار من سياقها وأقحمها في أحداث مُختَلَقَة لا تمتّ إلى الحدث الحقيقيّ بِصِلَة، والهدف منها ليس توثيقيّاً، خلافاً للريبورتاج الإخباريّ والفيلم الوثائقيّ.

لا تُقلّل الخطوة غير الأخلاقيّة من فاجعة انفجار بيروت ووقعها، والمعاناة الإنسانية التي تسبّب فيها فحسب، بل تُظهر نقصاً في الحساسية والتعاطف. واستخدام مثل هذه المقاطع التي تعرض الأحداث الحقيقيّة بغية التهويل، مُثير للإحباط لأولئك الذين عايشوا المأساة من قريب أو لديهم صلات شخصيّة بها.
 
 
ليست المرّة الأولى!
ليست المرّة الأولى التي يُستخدم فيها انفجار المرفأ في فيلم. فالوثائقيّ الهزليّ البريطانيّ "Death to 2020"، والذي طرحته منصّة "نتفليكس" قبل انتهاء العام الرهيب الذي شهد انفجار المرفأ، وانتشار جائحة كورونا، والأزمة الاقتصادية العالمية، أورد في المقطع الترويجيّ وفي استعراض سريع للأحداث العظيمة التي طبعت الـ2020، لقطة للانفجار، غير أنّ السياق لم يتعدَّ التوثيق نحو الاستغلال.
 
 
كذلك، ليست المرّة الأولى التي يتعرّض فيها فيلم لانتقادات بسبب إعادة استخدام مقاطع فيديو لكوارث حقيقيّة. 
 
في فيلم الإثارة الأبوكاليبتيكي "Bird Box" الذي عرضته "نتفليكس" عام 2018 (إخراج سوزان بيير / بطولة ساره بولسون وساندرا بولوك)، استُخدمت مقاطع فيديو لكارثة قطار لاك مغانتيك في مقاطعة كيبيك في العام 2013، والتي أودت بحياة 47 شخصاً، وصُنّفت رابع أكبر حادث لناحية عدد القتلى في تاريخ كندا، ضمن تقرير أخبار تلفزيونيّة مزيّفة.
 

برغم دعوات المسؤولين الكنديّين لحذف المشهد، رفضت "نتفليكس" الانتقادات بادئ الأمر ولم تتراجع، قبل أن تتراجع عن قرارها بعد بضعة أشهر.

المشهد نفسه ظهر في مسلسل الخيال العلميّ "Travelers"، ضمن نشرة إخباريّة خياليّة تصف هجوماً نوويّاً على لندن، لكنّه عُدّل لاحقاً وأُزيل.

 
الذكاء الاصطناعيّ ومستقبل البشريّة
على هامش السقطة الأخلاقيّة، يطرح "The Creator" واحداً من أكثر المواضيع إثارة للجدل راهناً: هل يسيطر الذكاء الاصطناعيّ على البشريّة؟
 

في قالب خياليّ، تدور أحداث الفيلم في مستقبل "ديستوبي"، مظلم ومأسويّ، يقوم فيه الذكاء الاصطناعيّ، والذي أُنشئ لحماية البشرية، بتفجير رأس حربيّ نوويّ في لوس أنجلوس.
يُكلَّف جوشوا، وهو عميل سابق في القوات الخاصّة يُجسّد دوره جون ديفيد واشنطن، بمسؤولية تحديد موقع الذكاء الاصطناعيّ في سباق للحصول عليه من قِبَل قوى العالم.
 

اقرأ في النهار Premium