النهار

برلين 74 - "رجل مختلف": ماذا لو لم يكن الجمال كلّ شي؟
هوفيك حبشيان
المصدر: "النهار"
برلين 74 - "رجل مختلف": ماذا لو لم يكن الجمال كلّ شي؟
سيباستيان ستان في دور إدوارد.
A+   A-
إدوارد ممثّل أدوار ثانوية في أفلام درجة عاشرة وكليبات توعية، ويحمل وجهاً مشوهاً، هو بطل فيلم المخرج الأميركي أيرون شيمبرغ، "رجل مختلف"، المشارك في مسابقة الدورة الرابعة والسبعين من مهرجان برلين السينمائي الذي يستمر إلى الخامس والعشرين من الجاري. لكن رجلنا (سيباستيان ستان)، يرفض هذا الوجه، فيخضع لعملية تطيح القديم وتأتي بجديد، ليعود معها شاباً وسيماً، لكن لن تنتهي حكايته ولن تجد محنته الخاتمة التي كان يتمنّاها، فمع اختيار جارته المخرجة المسرحية (الإنسانة الوحيدة التي تتقرّب منه وتجد فيه شيئاً ما) ممثّلاً مشوّهاً ليلعب دورا مستوحى من حياته السابقة، ستتغلغل الغيرة في داخله وتنقلب حياته رأساً على عقب، أكثر ممّا كانت مقلوبة في السابق، ليصبح شخصاً موتوراً لا يُطاق، بعد أن يفقد السيطرة الكاملة على حياته وأفعاله، مطالباً بما راح من دربه، بل يضعه هذا الصراع أمام أسئلة من نوع جديد لا يمكن تخيله. باختصار، ينتقل من كابوس إلى كابوس أفظع. فالرجل كان يعتقد ان مشكلته في منظره الخارجي الذي يصوغ علاقته بالواقع، وصلته بالآخرين، ذلك انه كان ينظر إلى نفسه مثلما ينظر الآخرون إليه. لكن عندما يتعرف الى أوزفالد، الذي يتبيّن انه يلعب دوره في مسرحية كان يتمنّى لو لعبه، والنجاح الذي يعيشه هذا الرجل بصرف النظر عن منظره الخارجي، سيكون صفعة له وللمشاهدين كذلك. فماذا لو لم يكن الجمال كلّ شيء؟
 
لحسن الحظ، ولو إن الاحتمال كان كبيراً، لا يقع شيمبرغ في فيلم مغلف بالكاراميل، ميلودرامي الهوى، ولا يعطي محاضرة في كيفية التعاطي مع الناس الذين يشكون من هذه الحالة المرضية التي تجعل منهم حالات اجتماعية يجب التعامل معها بتمييز، وذلك رغم ان الفيلم يحمل مضموناً اجتماعياً، لكن فطنة المخرج انه يتعامل معه بوعي من المطبات، محوّلا اياه إلى عمل يجمع ما بين الجدية والخفّة، مما يسهّل بلوغه قلوب المشاهدين بسرعة. يأتي الفيلم بخطاب معاكس، مسلّ بعض الشيء، يجدر التذكير به بين حين وآخر، علماً انه لا ينطوي بالضرورة على حقيقة مطلقة. انها حقيقة الشخصيات، لا حقائق تنسحب على الجميع.
"رجل مختلف" مصوَّر بشريط خام 35 ملم، فتكتسح البثور سطح الشاشة، وتعطي الجانب البصري للفيلم سمة أفلام السبعينات، خصوصاً عندما تنزل الكاميرا إلى شوارع نيويورك، وترافقها موسيقى الجاز، فيكتسب الفيلم كاراكتيراً خاصاً. في دورة لا تحلّق مسابقتها عالياً إلى الآن، وبلغت ذروتها مع "الأمبرطورية" للمخرج الفرنسي برونو دومون، يبدو فيلم شيمبرغ مقترحاً سينمائياً سليماً، يحمل توقيع شركة A24 التي اعطتنا في الآونة الأخيرة أفلاماً مستقلّة ذات بصمة مختلفة، تحاول اعادة السينما الأميركية المستقلّة إلى ما كانت عليه في أفضل أيامها.
 
مع المخرجة والممثّل الذي يسرق دوره.

اقرأ في النهار Premium