مهرجان تسالونيك للفيلم الوثائقي السادس والعشرون: كيف ان سلوفاكيا الفاسدة تختلف عن لبنان الفاسد!

اغتيال يان كوتسياك، الصحافي السلوفاكي الذي كان يحقّق في قضايا فساد وتهرب ضريبي، تحوّل في العام 2018 إلى قضية رأي عام، بعدما نزل الآلاف من مواطنيه إلى الشارع احتجاجاً على ممارسات مافيوزية كانت تغلغلت منذ سنوات في شرايين المنظومة الحاكمة، وهذا كله في دولة تقع في قلب أوروبا النابض. انه باختصار ما يصوّره المخرج مات سارنيكي في فيلمه الذي عنونه ببساطة، "اغتيال صحافي"، وشاهدناه في الدورة السادسة والعشرين التي انتهت قبل أيام من مهرجان تسالونيك (7 ـ17 الجاري)، الذي يُعد أحد أبرز المواعيد المخصّصة للفيلم الوثائقي في العالم. مَن يتابع تسلسل الأحداث وتعاقبها، متعرفاً إلى العلاقة الطبيعية بين الفعل ورد الفعل، لا بد ان يفكّر ولو للحظة في البلاد التي يأتي منها، خصوصاً اذا كانت هذه البلاد على شاكلة لبنان المأزوم والمنكوب والفاسد، الذي تحكمه عصابات طائفية، وتغيب فيه كلّ أشكال المحاسبة بحيث ان المجرم يضرب ضربته، ولا مَن يسمع ولا مَن يرى! في فترة وقوع الاغتيال، كانت تسيطر على سلوفاكيا ثلّة من الأوليغارشيين الفاسدين، على صلة بالمافيا الإيطالية، ولديهم نفوذ داخل كلّ مؤسسات الدولة، من القضاء إلى الشرطة. لكن، بالتعاون مع الإعلام النزيه وبتحريض منه، ساهم الشعب في تفكيك هذه الشبكة الإجرامية، رغم الصعوبات والتعقيدات وآليات الحماية التي لجأ اليها المرتكبون. لم تسقط الحكومة غداة وقوع الجريمة سقوطاً رمزياً فحسب، بل أصبح كلّ شيء مكشوفاً بين ليلة وضحاها. ولعل أبرز ما انكشف هو التواطؤ بين المال والسلطة القضائية والشرطة. لم يعد هناك أدنى شك ان الفساد يضرب البلاد من رأس الهرم ونزولاً. خلف الاغتيال مليونير يُدعى ماريان كوتشنر، أوليغارشي مكروه من كلّ الأطراف، سوى من "أصدقائه" في الدولة. هذا الرجل سيغدو المتّهم الأول في قضية اغتيال كوتسياك، اذ انه كلَّف جهات أخرى تصفية الصحافي الذي كان يزعجه في مقالاته. الفيلم، عملياً، هو تحقيق مدعوم بوثائق ومستندات الشرطة...