وسط الحرب المستعرة في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع، يسعى سينمائيون سودانيون إلى لفت أنظار العالم إلى النزاع الدامي المنسي المتواصل في البلاد.
وتقول الممثلة والمطربة السودانية إيمان يوسف، بطلة فيلم "وداعاً جوليا" للمخرج محمد كردفاني والذي أنتج العام الماضي وكان أول فيلم سوداني يشارك بمهرجان كان، لوكالة فرانس برس: "حالياً، هذه هي الفترة المناسبة التي يمكننا أن نعبّر فيها عن أنفسنا وعن القضايا المسكوت عنها"، مضيفة: "نستطيع أن ننتج ولو إنتاجاً بسيطاً".
وكانت يوسف تتحدّث على هامش النسخة الثامنة من مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة الذي أقيم الأسبوع الماضي في محافظة أسوان في أقصى جنوب مصر، وشاركت فيه خمسة أفلام سودانية قصيرة.
من بين الأفلام السودانية المشاركة، فيلم "طوبة لهنّ" للمخرجة السودانية رزان محمد، والذي يسلّط الضوء على نساء نزحن من معسكر للاجئين في العام 2003، عندما اندلعت الحرب في إقليم دارفور في غرب البلاد. وفيلم "نساء الحرب" للمخرج السوداني القدال حسن الذي يتناول قضية النساء في مناطق الصراع بولاية النيل الأزرق في جنوب البلاد، وتأثير الحروب عليهن وعلى ذاكرتهن.
وتقول يوسف: "الحروب والأزمات تتعبنا نفسيّاً، لكن تعطينا درجة من الإصرار لمواصلة أحلامنا وإبراز الأفكار".
وتشير الى أن "الحرب الحالية جعلت السودانيين في حالة نفسية مضطربة، لكن لا حل آخر غير أن نستمر في تطليع الأفكار".
ومنذ عام، اندلعت حرب في السودان بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان ونائبه السابق محمد حمدان دقلو وأدّت إلى سقوط آلاف القتلى.
كما دفعت البلاد البالغ عدد سكانها 48 مليونا إلى حافة المجاعة، ودمّرت البنى التحتية المتهالكة أصلاً، وتسبّبت بتشريد أكثر من 8,5 ملايين شخص، بحسب الأمم المتحدة.
وعلى مدار عقود، عانت السينما السودانية تحت حكم الرئيس المعزول عمر البشير من قيود دينية ومن أعراف المجتمع المحافظ ومن القمع السياسي.
حرية أكثر
ورغم الأزمات والحروب التي تلت سقوط البشير في العام 2019 تحت ضغط شعبي، تقول يوسف "هناك اليوم قدر من الحرية لم تكن موجودة من قبل"، في إشارة إلى "ثورة" كانون الأول 2018 التي وصفتها بأنها "لم تكن ثورة سياسية فقط، بل ثورة في الأفكار والأخلاق والوعي".
وتتابع: "هذه هي الفترة التي يفترض أن تُخلق فيها الأفكار من الشباب السوداني الذي كان يشعر بقيود من قبل".
بعد انتفاضة 2018، أنتج فيلم "ستموت في العشرين" للمخرج أمجد أبو العلاء بعد فترة توقّففي إنتاج الأفلام الروائية الطويلة دامت 20 عاما.
وكان الفيلم أول عمل درامي سوداني يُرشح إلى جوائز الأوسكار، وتدور قصته حول شاب تقول نبوءة من أحد الدراويش الصوفيين إنه سيموت حينما يكمل عشرين عاماً، فيقضي أيامه في قلق وترقب حتى يحدث ما يغير حياته تماماً، إذ يلتقي مع مخرج مغامر في قريته يستعرض معه تجاربه في الحياة.
ثم جاء "وداعاً جوليا" ليحكي قصة انفصال السودان وجنوب السودان في العام 2011، وقد حقّق نجاحاً تجارياً في دور العرض في البلدان العربية ومن بينها مصر، وهو ما يعد قليل الحدوث بالنسبة لفيلم عربي غير مصري.
وتقول يوسف التي كانت تمثّل دور منى في الفيلم: "انفصال الجنوب كان حدثاً كبيراً أثّر فينا كثيراً".
ويتمنّى المخرج السوداني محمد الطريفي "عدم توقف صناعة السينما مجددا".
ويقول: "هناك اجتهادات منّا حتى لا تتوقف، ولكن الإنتاج السينمائي في السودان وليد المعاناة أصلاً".
"الشتات يولد الإبداع"
ويرى الطريفي أن "الشتات يخلق إبداعاً أكثر"، موضحاً أن "التواجد السوداني الكبير في القاهرة والحراك الفني المصري النشط سيسفران عن إنتاجات أكثر".
ومنذ اندلاع الحرب في السودان في 15 نيسان 2023، عبر إلى مصر أكثر من 500 ألف سوداني.
ويقول الطريفي: "القاهرة ستكون مكاناً لانطلاق مشاريع سودانية جديدة مثلما كانت دائماً في السابق".