النهار

"طمِّنونا عنكم"، حكايات ممتعة تلخّص سيرة ذاتيّة
المصدر: "النهار"
"طمِّنونا عنكم"، حكايات ممتعة تلخّص سيرة ذاتيّة
غلاف الكتاب.
A+   A-
مارلين سعاده
 
لماذا نقرأ؟ وكيف نختار ما نقرأه؟ ومتى اخترنا لماذا يشدُّنا هذا الكتاب أو ذاك دون سواه؟
هل نقرأ لنَعْلَم ونتعلَّم فقط؟ أم لِنُرفّه عن أنفسنا ونَدخلَ عالمًا يُلهينا عن واقعنا، ويُنسينا همَّنا؟
أم أنّنا نترك الأمر للصدفة تهدينا إلى كتاب نتصفّحه، فإن أَعجبنا تابعناه، وإن أشعرَنا بالملل أهملناه؟
 
قد يكون كلّ ذلك... ولكن، الأمر الأكيد، هو أنّك متى دخلت عالم فلاح أبوجوده السرديّ، وتابعت حكاياتِه المقتضبة والمغلّفة بالبساطة والمرح، تجد نفسك منساقًا لمتابعة جديده والاستمتاع بأسلوبه، أكان ذلك من خلال كتابه "على سيرة النوم" الذي جمع فيه الكثير ممّا قيل عن النوم عبر التاريخ، القديم منه والحديث، أو من خلال كتابه "طمِّنونا عنكم" الذي يتضمّن أخبارًا حياتيّة يوميّة، قد تصادف أيّ واحد منّا، وربّما لا نُلقي إليها بالًا أو نتوقّف عندها؛ ولكنّ فلاح أبوجوده، الطبيب المشهود له في تقويم الأسنان، عرف بأسلوبه البسيط والمباشر، كيف يشدّنا إليها، بحيث نشعر أنّها تعنينا، تشبه واقعنا، إذ تنقل شيئًا من تفاصيله، مضفيةً عليه البسمة، بل إنّها غالبًا ما تحرّضنا على الضحك، مستعينة بما قد تزخر به يوميّاتنا من أحداث عابرة، يمكن أن تحمل في طيّاتِها الكثير من المرح، على ما فيها من تعقيدات وأزمات وأحداث.
 
هذا ما نقع عليه ونحن نتابع حكايات فلاح أبوجوده في كتابه "طمّنونا عنكم"، التي تُدخلنا عالمَه أو فضاءه الخاصّ، حيث تسطع في سمائه جريدة "النهار"، ويضيء لياليه قمرها عمّه الصحافي المرحوم ميشال أبوجوده، وتسامره في أمسياته نجوم الرحابنة المتلألئة دومًا، مختصرًا في رحلته معهم سيرتَه الذاتيّة، وسيرة أسرته التي يبدو جليًّا مدى اعتزازه بها. ولعلّ الغريب في الأمر، أنّك، بعد أن تنتهي من الكتاب، وتضعه من يدك، وتغادره، تشعر بأنّه لم يغادرك! يبقى ساكنًا في وجدانك بحكاياته اليوميّة العابرة؛ فكيف تُراها تعبر وتبقى؟! أهي الجمل المطعّمة بالحوارات العامّيّة التي تضفي عليه شيئًا من الواقع الملموس، وتُدخلك الحكاية، فتجعلها جزءًا منك؟ أم هي المقتطفات التي اختارها، أكان من أشعار الرحبانيَّين عاصي ومنصور، أو من مشاهد عدد من مسرحيّاتهما التي رسخت في ذهن جيلٍ بكامله، وحفرت في ذاكرته، بل في وجدانه، ولئن أذابت مسؤوليّات الحياة الكثير منها، إلّا أنّ نُدَفًا غير قليلة بقيَ حنينُها يسكن نفوسَ معاصريه، يشدّهم إلى ماض يبقى الأجمل، ربّما لأنّه مضى، أو لأنّ لحنًا آسرًا غلّفه، أو كونه يعيدهم إلى زمن ولّى وبقيَت ذكراه في البال، فدأبوا يبحثون عمّن ينتشلها من بئر الذكريات العميق، ويعيدها إلى الوجود، ولو للحظات، من خلال نغمة أو كلمة؛ وهو ما أجاد فلاح أبوجوده القيام به.
 
"طمِّنونا عنكم"، هذه العبارة التي شاعت مع بداية الحرب اللبنانيّة، وردّدها العديد من اللبنانيّين وغير اللبنانيّين بهدف الاطمئنان على أهلهم وذويهم، تحمل في طيّاتها الكثير من الذكريات، المؤلم منها كما المعزّي؛ اختارَها الكاتب لينقل من خلالها أحداثًا تعكس واقعًا يوميًّا معاشًا، يشبه بتفاصيله واقعَ العديد منّا، إلّا أنّ فلاح أبوجوده أتقن اختيار البارز منها، والأكثر مرحًا، والأبعد تأثيرًا في النفس، بحيث استطاع من خلالها، على بساطتها، تحريك مشاعرنا، وإضحاكنا، ومنحنا متعة القراءة والمتابعة حتّى النهاية.
 
"طمِّنونا عنكم"، كتاب يهديك البسمة كلّما عدْتَ إليه، لا يبخل عليك بها، حتّى لو أعدتَ قراءته مرارًا عديدة؛ تفاصيله تنقل لك أحداثًا يوميّة بأسلوب كاريكاتوريّ بسيط؛ كما يلامس بين الحين والآخر وترَ الحنين، فتجد نفسك منساقًا مع كاتبه، مستمتعًا بالتجوال في عالمه الخاصّ الذي قد يشبه في كثيرٍ من تفاصيله عالمَك، لا سيّما إن كنت من جيله، جيل الحرب التي لم تتمكّن من خنق بسمته بالرغم من كلّ مآسيها.
 
 
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium