النهار

النادي الثقافي العربي في عيده الـ 75: الترابط مع مدينة اسمها بيروت
المصدر: "النهار"
النادي الثقافي العربي في عيده الـ 75: الترابط مع مدينة اسمها بيروت
الترابط مع مدينة اسمها بيروت.
A+   A-
احتفاءً بمرور خمسة وسبعين عاماً على تأسيسه، اصدر النادي الثقافي العربي، عددا خاصا اشبه بكتاب مظهراً الترابط الوثيق بين النادي في مسيرته ومدينة بيروت في ازدهارها وانفتاحها على كل جديد وليعكس دور كل منهما في تعزيز موقع الآخر ومكانته.

وأطلق النادي في العام 1956 معرض الكتاب العربي الذي اتخذ منذ العام 1992 صفة معرض بيروت العربي والدولي للكتاب، مسجلاً 63 دورة للمعرض كانت الدورة الاستثنائية مطلع آذار 2022 هي الأخيرة، وها هو يستعد لاقامة دورته العادية في نسخته الـ64 مطلع كانون الاول 2022.

ويأمل النادي أن يشكل اصداره الاحتفالي قيمة معرفية تسهم في تنشيط الذاكرة حول مدينة بيروت التي ستبقى منارة ثقافية يسطع نورها رغم التحديات المتعاظمة.

جاء افتتاح النادي الثقافي العربي في السنة التالية لاستقلال لبنان وكانت الحرب العالمية الثانية لمّا تنتهِ فصولاً بعد، ومع ذلك فقد حدا الأملُ الشباب الجامعي الذين عملوا على طلب الترخيص لهذه الجمعية الثقافية في أن نهاية الحرب ستحمل معها الازدهار والتحرر للبلدان العربية التي لم تكن قد استقلّت بعد، كما كان حاضراً في أذهانهم التفاؤل بأن دور لبنان القرن التاسع عشر في النهضة العربية لا بد أن يتواصل في لبنان المستقل، وخصوصاً بعد أن عبّر بيان الحكومة الاستقلاليّة الأولى عن روح الميثاق الوطني والعيش المشترك للبنان الواحد، واحة التعدد والحرية والانفتاح، وأعلن بيروت عاصمة للثقافة العربية، ولبنان المستقل جزءاً من عالم عربي في طور النهوض يبني كل بلد فيه ثقافته ومؤسساته على حدة.

ولم يكن قد مضى على تأسيس النادي سوى سنوات أربع حتى حلّت نكبة فلسطين، التي شكلت حدثاً مركزياً في الوعي العربي، فالخطر الصهيوني لم يطاول فلسطين والفلسطينيين فحسب، بل كان خطراً يتهدّد البلدان العربية جمعاء.

كانت ولادة النادي الثقافي في منتصف الأربعينات مرآة لتنامي دور العاصمة اللبنانية المدني والثقافي في محيطها العربي وتتويجاً لما تشده عمرانياً واجتماعياً واقتصادياً وثقافياً، بعد ان استضافت بيروت اقدم جامعتين في الشرق وأعرقها، مما أسهم في ان تكون مدينة بيروت نواة مجتمع علمي معرفي كثيف الاختلاط والتنوع ومنفتح على المحيط العربي والدولي.

لقد شكل "الثقافي العربي" الصدى لأصوات كبار المفكرين والباحثين اللبنانيين والعرب والاجانب ومنبراً لجمهور عريض من المثقفين والمتابعين لنشاطاته، مما عزز فكرة بيروت مدينة للحوار والتعدد الفكري والثقافي، وأكد دورها في مقاربة القضايا التي تهم اللبنانيين والعرب وفي مقدمها احتضان الكاتب والكتاب.

وكان أن أصدر الدكتور قسطنطين زريق، أحد المفكرين القوميين العرب، كتاباً بعنوان "معنى النكبة"،فتلقفه الشباب العربي، وخصوصاً تلامذته الذين كانوا من مؤسسي النادي، فكان هذا الكتاب بمثابة الفكرة التي حفّزتهم إلى فهم أسباب النكبة والعمل على تجاوزها من خلال أساليب جديدة في الفكر والعمل.

من هنا، تلخّصت الأسئلة التي سيطرت على عقول هؤلاء الشباب في كيفية تجاوز النكبة والنهوض بالأمة، فولّدت "حركة القوميين العرب" بين طلاب الجامعة الأميركية، وضمّت فلسطينيين وسوريين ولبنانيين وغيرهم من الدول العربية. كان هدف نشأة الحركة مقاومة الصلح مع إسرائيل ومقاطعة البضائع الأجنبية، وكان النادي بمثابة الإطار الذي يجمع الشباب الذين أثرت في وعيهم النكبة، فانتسب إليه في الخمسينيات طلاب غدَوا شخصيات بارزة وعامة، أمثال سليم الحص، فؤاد السنيورة، نجيب أبو حيدر، محمد قباني، جوزيف مغيزل، ليلى نجار، عبد الرحيم مراد، منير حمدان، ناصر نصرالله، بهاء الدين عيتاني، طارق متري، عمار حوري، فاروق البربير، كامل مهنا، نقولا تويني، أمين الحافظ، ابراهيم سلطي، اسماعيل سكرية، سمير صنبر، الفضل شلق، محمد عطاالله، أمجد غنما، جميل كبي، خليل مكاوي، عصام نعمان، هشام ابو ظهر. أمّا الشخصيات العربية فهم: أحمد الخطيب، عبد الرحمن العوضي (الكويت)، محمد جابر الأنصاري، عبد الرحمن محمد النعيمي (البحرين)، باسيل الكبيسي، سلام أحمد (العراق)، عمر المنتصر (ليبيا)، عبد الحميد شرف، طاهر المصري، فواز شرف (الأردن)، جورج طعمة، محمود كوكش (سورية)، أسعد عبد الرحمن، ليلى خالد، عبد المحسن قطان، طلال أبو غزالة، زهير العلمي (فلسطين).

وفي عام 1956، أطلق النادي معرض الكتاب العربي، وكان أول معرض للكتاب في العالم العربي، وتحوّل مناسبة ثقافة عربية تعرض الجديد في عالم النشر، وتستقبل الكتّاب والأدباء والشعراء، والمثقفين العرب في لبنان والبلدان العربية.

وتعزّز دور النادي في المجال الثقافي بإصدار مجلة "الثقافة العربية" في حزيران 1957، فكانت تنشر المحاضرات والندوات التي ينظّمها النادي، والتي يظهر في لمحة سريعة على عناوين المحاضرات وأسماء المحاضرين فيها إلى أي مدى استطاع النادي في تلك الآونة أن يكون منبراً لأصوات كبار المفكّرين والباحثين الذين عرضوا المسائل المتعلّقة بالسياسة والاقتصاد والثقافة.

ومع مطلع الستينات وانتخاب النادي رئيساً جديداً هو جوزيف مغيزل، الذي استمر في رئاسة الهيئة الإدارية حتى عام 1972، اتّخذت القضايا اللبنانية في العهد الشهابي حيّزاً هاماً من اهتمامات النادي ونشاطاته، ذلك أن المرحلة التي أعقبت أحداث 1958 التي بدأت بانتخاب فؤاد شهاب رئيساً للجمهورية، شهدت نهوضاً لبنانياً في بناء المؤسسات، من مصرف لبنان إلى مجلس الخدمة المدنية إلى التفتيش المركزي، وافتتاح كليات العلوم والآداب والحقوق في الجامعة اللبنانية، وإنشاء وزارات التصميم والشؤون الاجتماعية وغيرها من الوزارات التي هدفت إلى عقلنة التخطيط وإطلاق المشاريع العمرانية والبنى التحتية والرعاية الاجتماعية والاهتمام بالتنمية في المناطق الأقل نموّاً في الشمال والجنوب والبقاع.

وعلى مستوى السياسة العربية، أعاد الرئيس فؤاد شهاب الاعتبار لسياسة الحياد بالفاهم مع رئيس الجمهورية العربية المتحدة جمال عبد الناصر في اللقاء الذي جمعهما على الحدود اللبنانية – السورية. وقد عرف لبنان خلال سنوات الرئيس شهاب فترة ازدهار اقتصادي ووفاق لبناني وانفتاح على العالم العربي.

واكب النادي برئاسة جوزيف مغيزل محاولات لقاء الفكرة اللبنانية بالفكرة العربية، فكرّس نشاطاته الفكرية المواكبة للمرحلة بتقديم مفكرين وباحثين عبّروا عن قضايا التنمية والاقتصاد وتطوّر الفكرة العربية. وكان النادي منبراً للمتخصّصين والباحثين ولجمهور عريض من المثقفين المتابعين نشاطاته، كميشال أسمر الذي كان يرأس "الندوة اللبنانية"، منبر أهل الرأي والقامات الفكرية والسياسية الذي عزز فكرة جعل بيروت مدينة الحوار والتعدد الفكري والفني والثقافي.

وخلال الفترة المفصليّة بين عام 1972 و1974، التي تسلّم رئاسة الهيئة الإداريّة فيها فؤاد السنيورة، تحوّل النادي بؤرة نشاط متعدد الأوجه واكب الحركات الطلابيّة والعمالية والاستعمار الثقافي ووثّقته مجلة "الثقافة العربية" في أعداد خاصة.

في عام 1975 تسلّم محمد قباني رئاسة الهيئة الإدارية فكان أمام المهمة الصعبة بالحفاظ على النادي ودوره واستمرار نشاطه الثقافي والوطني خلال سنوات الحرب التي استمرت طويلاً، وخصوصاً تأمين استمراريّة اللقاءات بين الهيئات الثقافية في المناطق اللبنانية المختلفة وإبقاء الجسور قائمة بين اللبنانيين رغم الحواجز التي كانت تفصل بعضهم عن بعض. وبالفعل، لم تتوقّف نشاطات النادي الفكرية أو الفنيّة خلال سنوات الحرب الطويلة، كما أصدر منذ عام 1977 مجموعة من الكتب، بينها: "لبنان الحضارة الواحدة" عام 1977، "الأحزاب اللبنانية" و"مائة عام على ولادة جبران" عام 1984، و"لبنان أية ديموقراطية" عام 1988.

إن الفكرة التأسيسيّة التي دفعت مجموعة من الشباب الجامعية إلى التلاقي لإطلاق جمعية ثقافية منفتحة على عالم العرب وحريصة على دور لبنان كبلد للعيش المشترك والتعدد والديموقراطية والانفتاح وحرية الفكر، لا تزال ضرورة، وخصوصاً في أيّامنا هذه، وفي الظروف التي يمرّ بها لبنان.



الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium