كتاب "العلاقات الروسية الشرق أوسطية".
محمد حمدان
صدر عن دار سائر المشرق في بيروت كتاب "العلاقات الروسية الشرق أوسطية، وثائق ديبلوماسيين ومستشرقين ومؤرخين روس"، للدكتورة جمال كمال القرى، خريجة جامعات الاتحاد السوفياتي التي أمضت سنوات في البحث والتمحيص في تاريخ العلاقات الروسية الشرق أوسطية.
وأضاءت الباحثة في هذا الكتاب على جوانب غير مُكتشفة من هذه العلاقات حتى الآن. وتجدر الإشارة إلى أن مصادر هذه الدراسة كانت وثائق دبلوماسية رسميّة وتقارير ومراسلات وكتابات القناصل والدبلوماسيين والرحّالة والمستشرقين الروس التي احتوت على أخبار تفصيلية شبه يومية للأحداث الداخلية في بلدان الشرق، وللحروب التي جرت فيها على وقع صراعات الإمبراطورية الروسيّة مع الإمبراطورية العثمانية والدول الكبرى.
فكرة هذا الكتاب الذي يتناول تاريخية العلاقات الروسيّة - الشرق أوسطية، استناداً إلى مصادر روسيّة بحتة غير معروفة في الثقافة العربية، انطلقت من غياب الاهتمام بها، وانتفاء وجود ترجماتٍ لها إلا في ما ندر.
يتناول القسم الأول موجزاً للمحطات الرئيسية التي مرّ بها تاريخ روسيا، بدءاً من البحث في أصول الشعب الروسي، وصولاً إلى تشكّل صيغ الحكم في روسيا وتطوّرها خلال الألفية الميلادية الثانية، ما يسمح بالإجابة عن سؤال الانتماء الحضاري - التاريخي للشعب الروسي، هل هو إلى الغرب أم إلى الشرق أم إلى كليهما معاً؟
ويستعرض القسم الثاني، تاريخ وتطوّر العلاقات الكنسيّة - الدبلوماسيّة التي حكمت سياسة الإمبراطورية الروسيّة في الشرق، كما أوردها وحلّلها وناقشها ونقدها المؤرّخون والمستشرقون الروس استناداً إلى الوثائق الدبلوماسيّة الرسميّة والقنصلية المتنوعة ومحفوظات وزارة الخارجية ووثائق الجمعية الإمبراطورية الأرثوذكسيّة الفلسطينية وغيرها، انطلاقاً من خلفياتهم السياسية.
وتناول القسم الثالث بداية الخدمة القنصلية في الشرق في النصف الأول من القرن التاسع عشر، التي لم تكن أسسها قد تثبّتت بعد بسبب ضعف تأثير روسيا في السياسة الشرقية في ظل غياب سياسةٍ خارجيةٍ متناغمة وازدواجية في التعيينات، كما بسبب إعطاء الأولوية للمهمّات السياسية - الدينية والاكتفاء بمراقبة الأوضاع السياسية.
كما يتناول هذا القسم تفاصيل الحياة السياسية والصراعات الدينية في سوريا ولبنان وصراعات الدول الغربية على منطقة الشرق منذ منتصف القرن التاسع عشر مروراً بثورة تركيا الفتاة، وصولاً إلى انهيار الإمبراطورية العثمانية استناداً إلى كتاب إ. م. سميليانسكايا الأخير "سوريا عشية وخلال ثورة تركيا الفتاة" الذي يُعتبر مصدراً توثيقياً تفصيلياً مهماً لتاريخ الخدمة القنصلية الروسيّة في الشرق، كما لتاريخ المنطقة.
أما القسم الرابع فيستعرض موضوع الاستشراق الروسي منذ بداياته وحتى اليوم. فهو شكّل ولا يزال، الأساس في فهم تاريخ الشرق وتطوّره ومتابعة التغيرات فيه خارج الإطار الديني الذي كان معروفاً في الدوائر السياسية والكنسيّة، وساهم في رسم السياسات الاستراتيجية للدولة الروسيّة. ولذلك، أولته السياسة الخارجية الروسيّة خلال توسّع الإمبراطورية الروسيّة نحو الشرق، ولاحقاً في فترة الاتحاد السوفياتي، اهتمامها الكبير لاستخدامه في صراع المصالح مع الدول الغربية، ما انعكس على عملية تشكّله وتطوّره وتاريخه، وأكسبه ميزات المرحلة السياسية التي انتمى إليها. واليوم، يعود هذا الاستشراق مدرسة عالمية تساهم أبحاثه في رسم السياسة الخارجية الروسيّة.
أما القسم الخامس والأخير، فتناول تطوّر العلاقات الثقافية الروسيّة - الشرقية وانتقالها عبر تاريخها من الإطار الديني إلى الإطار الفكري والثقافي الذي بدأ بالتبلور الفعلي في روسيا منذ بداية القرن التاسع عشر، كما يتناول تأثر الشرق بالثقافة الروسيّة بدءاً من نهاية القرن التاسع عشر.
وتجدر الإشارة إلى أن الكاتبة وقعت كتابها في معرض بيروت العربي الدولي للكتاب في دورته الثالثة والستين يوم الجمعة في التاسع من الشهر الجاري بحضور السفير فوق العادة ومفوض روسيا الاتحادية في لبنان ألكسندر روداكوف ومدير البيت الروسي في بيروت (المركز الثقافي الروسي) الكسندر سوروكين، اللذين أشادا بهذا العمل الكبير، وأكدا أنهما سيعتمدان هذا الكتاب كمرجع لتاريخ العلاقات الروسية الشرق أوسطية.