صدر للقاضي محمد صعب كتاب "لعبة القيم" عن "الدار العربية للعلوم ناشرون" لينضم نتاجه الجديد الى جانب مؤلفات عدة له في مجالي القانون والقضايا الإجتماعية وباحث في الظواهر الإجتماعية.
وفي "لعبة القيم"، هو باحث في ظواهر إجتماعية لا يغيب في مقاربتها نفس القاضي الذي يتناول بجرأة ملفاً كونياً شائكاً بنفس الخاشي من تداعياته إن إستمرت البشرية عن غير قصد في الإنسياب وراء موجات معاكسة للقيم والمبادىء والمفاهيم التي نشأ عليها، اذ يجري تحريكها من خلف الكواليس من محترفين في "لعبة القيم" بتحوير المفاهيم بخيوط الباطل من خلال دمى يصنعونها لقيادة البشرية.
وهؤلاء اللاعبون يشكلون قلّة قليلة كونية تعمل في الظل والخباء على "مخطط مرسوم لإستهداف المفاهيم الصالحة" بمفاهيم مشوهة من شأنها أن تعطّل قدرة الفرد على التمسك بمفاهيم جوهرية منها "حرية الإختيار المشوهة" في تقدير المسائل في شكل متزن أو تقييمها على أسس منطقية وعلمية تهدف الى إحكام السيطرة على الفرد ودفعه نحو ما رسمته له حرية الإختيار المشوهة، كأن يغدو تحديد الهوية الجندرية إنطلاقاً من الشعور الداخلي وليس من مظهره الخارجي أو تكوينه البيولوجي، للجنوح الخياري الى التحول الجنسي بناء على هذا الشعور رغم انه "حالة نفسية متغيرة وعرضة لتغييرات لأن تكوينها يستند الى عوامل متحركة".
ويسهب الكاتب في سردية معمقة وعاقلة في ما يذهب اليه، مستنداً الى حجج وبينات في معالجته منها ما يصب في نظم تخول المتهم بجرائم بإغتصاب السجن مع النساء لأنه يحمل هوية جندرية.
ويقول الكاتب: "ما نتحدث عنه ليس نظرية مؤامرة إنما مؤامرة يخطط لها منذ عقود وتنفذ بإتقان ودقة لكن على مراحل".
ويدرج السعي منذ سبعينات القرن الماضي مخطط هنري كيسنجر الى تقليل مستوى النمو السكاني في الدول النامية لـ"تهديده الأمن القومي"، عدا عن ضرب مفهوم العائلة بشكله المتعارف عليه وتقويض قدرة الأهل على التأثير على الطفل ليتسنى "لأصحاب المخططات الجهنمية الوصول بسهولة الى عقل الطفل".
ويسهب في استهداف "حرية الإعتقاد" بين الكفر والايمان بمفهوم مشوه مستجد يساوي بين الخير والشر ويحعلهما في مقام واحد "بعد تنافس القناعات لعلة تناقضها بدلاً من قاعدة تكامل القناعات بفعل انسجامها مع بعضها"، الى الغاء مفهوم حرية الرأي وجعلها وسيلة للتعبير عن الذات في كل المسائل العارف بأمورها والجاهل بها على حد سواء من دون البحث عما يتناوله هذا الرأي من مسائل وأمور قبل ان يبدي موقفه العلني منها في مقابل الترويج لـ"ضرورة إحترام الرأي الآخر ولو خلا من الحجة أو الدليل ووجوب تقبله ولو جافى المنطق السليم.
وترسي "قاعدة جديدة وهي ان كل الآراء تحترم"، وإن "تعددت الحقائق في شأن المسألة الواحدة".
وأمام فوضى الرأي مع فائض إدعاء الحرية المزيف الى اختلاط الجاهل بالنابل بعد ان كان الرأي والرأي الآخر يتقابلان على منصة المحاججة العلمية والنقاش البناء، امتزج الخطأ بالصواب بعد ان كان يستحيل جمعهما في وعاء واحد.
وفي رأي الكاتب، ان "حرية الرأي في نسختها المعيبة والمشوهة صارت واحدة من ادوات التخدير لا التغيير".
وشوهت مفهوم "العدل" الذي يشكّل خط الدفاع الأول عن القيم والمبادىء في نظام العدالة الاجتماعية" وتجييره لـ"نجم المساواة بنسخته العليلة لإضعاف مناعة المجتمع فيصبح اكثر تلقياً وتقبلاً للأفكار الهدامة وتسود فوضى الرأي" ما سيقود" العالم الى الإنكفاء والعزلة عن مجتمعاتهم وهو ما تسعى اليه قوى الشر".
حتى أن هذا التشويه يراه القاضي صعب يمتد الى ضرب صورة التكامل في العلاقة بين الرجل والمرأة بهدم مكانتها اللائقة والراقية في الشأن الراعي للعائلة والامومة الى جانب حقها في العلم والعمل مع ترويج عقيدة في مجتمع النسويات الحديث في الغرب قللت من شأن المرأة الام ورفعت من شأن المرأة العاملة وصار المسمى الوظيفي للمرأة يستند في شكل أساسي الى ما يتعلق بمهنتها وليس بأمومتها.
وبذلك يدفع الطفل الثمن ويقع أسير ما يتلقاه من سواها مع إشارته الى أن إستهداف مفهوم الامومة قابله تعظيم لدور المرأة من خلال مظهرها الخارجي طالما انه يتعلق بالاثارة والجنس والجمال بما في ذلك عملها في مجال الدعارة بإعتبار ان كل ذلك يندرج "تحت خانة حق المرأة في التعامل مع جسدها" ما يساهم في ضرب البيئة الحاضنة للقيم والمبادىء. وتكون المرأة النسوية تؤدي دوراً مشابهاً للانتحاري الذي يفجر نفسه وتقود نفسها الى الهلاك فتفنى معها مؤسسة الزواج وهي أهداف قوى الشر".
ويبحث في الإطار البون الواسع بين "ديموقراطية العدالة" و "ديموقراطية المساواة" وتقديمه الديموقراطية الاولى على الثانية "الظالمة" معلّلاً بإسهاب وجهته، ليسأل كيف يصح تجاهلها عند اختيار الحاكم ؟ مبيناً كيف "تخدم مشروع الهيمنة الذي" تقوده الأقلية التي تحدث عنها في مقدمة كتابه، القابضة على وسائل التأثير.
لقد اخترق القاضي صعب في بحثه تابو الكواليس المغلقة بلسان المتحدث الى المتلقي بنضج ووعي يحملان رسالة توعوية في ما فصله في نتاجه بأسلوب إستيعابي يضيء على الفكرة بإحاطتها من كل جوانبها للمفهوم الصحي قبل الولوج في المفهوم المشوه ما ادى الغرض في طرح مسائل وجودية دقيقة يشعر القارىء معه من خلالها بالخطر على القيم من هذه اللعبة.