النهار

تفاصيل مميتة
لوحة "الرجل الحزين" لبريساك نيكولاي.
A+   A-
جو القارح
 
كنت أفتّش عن وجهي في برك الماء،
لكنّها ما أمطرت بشدّة سنتها،
اكتفيت بمرآة غرفتي،
وعينين لمّاعتين كنافذة بعد عاصفة،
لكن ما من شتاء،
وما من زجاج ليتشمّس.
كان وجهي وجهتي،
مصبّ محاولاتي الفاشلة،
الاعتناء ببشرةٍ لا تفهمني،
هيكل يهبط نقمةً على روحي،
يفصلني عن الزّحف اعتذار،
لا أنوي صراخه في غرفةٍ داكنة،
غدًا،
سأنتظر الغيمة نفسها لتسلّمني ليومي،
والمباني الحجرية لتحشرني في الطّريق،
لن أُلملم رجليّ،
ولن أجمع ظلّي عن الحيطان،
سأمشي مدقّقًا في كل شيء،
لأنّني أشتهي تفاصيل مميتةَ.
 
• • • •
 
رئتاي،
تلك المنفضة الثقيلة،
وأنفاسي،
كقطيع رماد بريّ،
تتسطّح وتبرد،
تتجمّد،
يصبح التنفس استثناءً،
والاختناق تعثرًا شفهيًّا.
شفتاي،
سيجارتان مبللتان،
أحاول إشعالهما بحديث سخيف،
وتلك الشقوق عليها بصمات جفاف،
تجاعيد ليالٍ صامتة كاسحة،
الوحدة كالمرأة العجوز،
تنتقم من الهانئين البريئين،
بحجّة أنهم غير جدّيين.
رئتاي،
قفص بلا عصفور،
وشفتاي عود بلا أوتار،
وأنا،
بلا شفتان ولا رئتان،
أتنفس باللحظة العابرة،
وإن نسيني الوقت في غرفتي،
ولم يطرق على نافذتي،
أموت اختناقًا في وحدتي.
 
• • • •
 
العلاقات كطاولة القمار،
تحضّرها بعناية،
لكنك لا تعلم إذا كنت قادرًا على البقاء للنّهاية.
 
• • • •
 
السّيارات المسرعة أحيانًا بلا وجهة،
والطّريق برصيفه المتحرّك كذبة كبيرة،
من قال إننا نمشي؟
من قال إننا نمضي؟
أشعر بالشمس تتدحرج وأنا عالق،
بالهواء يطير وأنا مُقعد،
لم لا أجلس على الغيوم،
وأتأمل الكراسي ترفرف من ظل لآخر؟
لم لا أشرب السماء كبعة واحدة،
وألوّن عينيّ بزرقة صافية مزاجية؟
 
 
• • • •
القبعات الشّاهقة معذورة،
والشّالات الطّويلة أيضًا،
لكن الأعناق المرتفعة،
والجباه الجبليّة،
ما قصدها؟
 
• • • •
 
أتعرف الشّموع أنها تذوب أحيانًا لنوايا شريرة؟
 
• • • •
ما عاد الرّبيع ينتظر أسراب الطّيور،
ولا العصافير تترقّب الشّروق،
كنّا كلّنا سويةً،
ندور حول مكعّبات خالية،
نطرق عليها بأسمائنا،
وندعوها أيّامًا،
حتّى الرّوزنامات بدأت تَثقُل.
كنّا كلّنا سويّةً،
نتقاسم الدّقائق مدفأةَ،
والعناق البعيد لحافًا صوفيًّا،
أنا من تلك الطّريق اشتريت قدميّ،
من تلك الشّرفة تصيّدت عينيّ،
ومن هذا الشّتاء نسجتُ غربتي.
كنّا كلّنا سويةً،
أمطار بلا غيوم حتّى تبلُغ،
فتحت لنا السّماء ظهرها،
فهربنا نحو أقرب سرير وغطسنا فيه،
كان للبحر غروب،
وللمساء أضاحٍ وأمنيات،
وكانت رقابنا كلّنا مُستهدفة،
لكننا واظبنا على تسريح شعرنا،
لعله يطير،
وعلى إغلاق دفاترنا،
لعلها تكبر بصمت.
كنّا كلنا سويةً،
نشاهد بعضنا نتهاوى،
كتلك الشّجيرات الضّعيفة،
كنّا نشاهد بأعينٍ مغلقة،
وكنّا نبكي،
بأيادٍ هائمة وصدورٍ محروقة.
 
• • • •
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium