محمود شريح
الدكتور فَلَاح داود أبو جوده في كتابه الجديد "طَمِّنونا عنكم : مجموعة مقالات" [ في 224 صفحة من القطع الوسط عن دار سائر المشرق للنشر و التوزيع، 2023 تدقيق لغوي : مارلين سعادة ، وغلاف أنيق صورة للعائلة، كبيرها و صغيرها، يظهرُ فيها المؤلِّف في صباه مُحاطاً بأهله و أقربائه، وفيهم عمِّه الصحافي ميشال أبو جوده في شبابه وإذا كنتُ مُصيباً، ولم تخنّي الذاكرة، تظهرُ فيها أُختُه أليسار، إبنة صفّي في أميركيّة بيروت، بداية السبعينات، فالملمحُ نفسه بعد خمسين، و بسمتُها برهان ٌ على حَدْسي، فيما صورة طبيب الأسنان نفسه مؤلِّف الكتاب نفسه ، تزيّنُ الغلافَ الأخير، فتدركه دون تخمين أو حدْس، من بسمته المعهودة، حيث هو في عيادته و في مسقطه في الزلقا ].
"طمِّنونا عنكم" يستهلّها أبو جوده حين طلبَ منه عمُّه ميشال أن يُوصلَه بسّيارته الى منزل غسّان تويني في بيت مري، وفي الطريق إليه سأله عمُّه عمّآ حفظَه من شعر، فأسمعَه من شعر العندليب عبد اللّه غانم :
هَوْن اشلحيني و لا تقولي راحْ
ما تْكَوَّنِتْ لولا الفساد الرّاحْ
و لا تفكّريني بحالتي متعوبْ
حطّاب نَزّلْ حملتو و ارتاحْ
فجُّنَ جنونُ ميشال طرباً، و طلبَ منه أن يعيدَه فأعادَه أكثر من عشر مرّات، و لمّا رجعا من عند الأُستاذ تويني التقيا بوالده على درج المنزل فقالَ له عمُّه: "رحْنا مع شوفير رجعْنا مع شاعر"، و من هنا يُهدي فَلَاح مجموعته هذه إلى عمّه ميشال يوسف أبو جوده .
بهذا النفَس القَصَصي الراقي و بهذا الأُسلوب السَلِس المُمتع يشدُّ أبو جوده القارئ إليه، فالدعَابة في نصِّه تنهضُ على المفارقة بين الواقع و الرؤية، إذ يقرّ أنّ لوالدِه أخطاء قليلة، إلا أنّه أخطأ معه خطأً فادحاً حين سمّاه "فَلَاح"، فناداه النّاس نجاح وكفاح وصلاح وكلّ ما هو على وزن فَلَاح وعليه ذهبَ قبل حفل تخرّجه في اليسوعيّة إلى سكرتيرة العميد و حذّرها:"لا صلاح ولاجناح ولا كفاح، اكتبوا لي اسمي صحّ عالشهادة" و مع ذلك تذاكى صاحب الباتيسري يومَ عرسِه و كتبَ على قالب الغاتو: "مبروك لصلاح ويولا" .
و حين اصطحبَه والدُه معه وهو في التاسعة لمشاهدة مسرحيّة " لولو" ، للأخوين الرحباني ، مُتباهياً بصداقته لعاصي و منصور، سأله بعد العرض رأيَه في أجمل أغنية لفيروز في "لولو"، أجابَ فَلَاح "اللّه معك يا هوانا"، فرّد والده: "حين تكبر ستعجبُك من عزّ النوم". وحين عادَ عمُّه ميشال من الخطف عام 1974 ، و كان مُصاباً بطلق ناريّ في كتفِه، أمضى عاصي ومنصور نهار عمِّه الأوّل في الحريّة إلى جانبه، و حين كان فَلَاح في الثامنة عشرة نشر قصائده العاميّة على صفحة "النهار" الثقافيّة فسمّى فَلَاح شوقي أبي شقرا، المُشرف عليها آنذاك "فنّاناً في اختراع العناوين الاستثنائيّة، وأنا معه، سوى أنّي كُلّي من إختراع المعلِّم شوقي منذ آب 1977 حين نشرَ لي قصيدة غَزَل عنّفني أهلي عليها .
إلى حكايات وقصص يسردُها أبو جوده عن أهله وصحبِه وعن قرى الجبل الهانئة، وعن انتخابات الخيبة، دون أن يتخلّى عن رؤية فلسفيّة إنسانيّة، إلى دراسته تقويم الأسنان في باريس في الثمانينات، ولا ينسى زكي ناصيف ولا محمد عبد الوهاب ولا عبد الحليم حافظ و لا مار الياس ولا قبرص نجمة الهلال الخصيب ، فيفصحُ عن هوى آل جوده لسعاده ؛ أمّا عنوان مجموعته فنازلٌ عليه رأساً من صهره د.أنطوان أبي حيدر ، قرينُ أُخته أليسار، رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي، تيّار جورج عبد المسيح، الذي سعدتُ بلقائه منذ ثلاثين، فعن صهرِه هذا أخذ فَلَاح طريقتَه المميزّة في الكلام : "أهلاً فيكم ، طمِّنونا عنكَم".
مارلين سعادة في رسالة منها إلى المؤلِّف [ الحدث – بعبدا 28.10.2022 ] تهوِّن عليَّ نهاية مراجعتي فختامها للكتاب مسك : "كتاب يهديك البسمة كلّما عُدتَ إليه، لا يبخل عليكَ بها ".