كتب الروائي جورج أورويل: "كلُّ فنٍ دعاية، ولكن ليست كلُّ دعايةٍ فناً". قد يعارض البعض أورويل في الجزء الثاني من اقتباسه لكن لا شك أنّ الجزء الأول يبدو صحيحاً إذا ما استخدمنا التعريف الواسع للدعاية، فمثلاً، يغيب الفن عن كتاب "كفاحي" الممل لأدولف هتلر.
في أيامنا هذه، نادراً ما تخدم الكتب تطلعات الحكومات والمجموعات الإيديولوجية.
خلال الحرب الباردة، قامت أجهزة المخابرات بقمع الكُتّاب، فجهاز الـCIA هو من أطلق مجلاتٍ أدبية في فرنسا واليابان وأفريقيا، والهدف كان جذب الثقافة العالمية إلى الأهداف الغربية ومواجهة الأعداء. كما وقامت المخابرات البريطانية بالترويج لأعمالٍ تدعم المملكة، فقدم العديد من المؤلفين أقلامهم لخدمة الدولة، ما جعل الكثير من الأعمال دعائيةً لا علاقة لها بالفن.
من هنا، ذكرت صحيفة "The Economist" ستة كتبٍ دعائية اشتهرت حول العالم:
• "عيون آسيا" للمؤلف روديارد كيبلينغ
غالباً ما يُنسى دور روديارد كيبلينغ، المؤلف البريطاني الهندي، في الترويج للمملكة البريطانية، فهو الذّي جندته المخابرات البريطانية خلال الحرب العالمية الأولى لكتابة مؤلفات تهدف الى قمع القومية الهندية. خلال 1916، أرسل المسؤول البريطاني دانلوب سميث رسائل الجنود الهنود الذّين يقاتلون في فرنسا إلى كيبلينغ حيث إنّ سميث طلب من كيبلينغ إعادة كتابتها بطريقة تزيل أيّ مشاعر قومية مؤيدة للهند.
نشرت مجلة "The Saturday Evening Post" أربع رسائل قام كيبلينغ بتعديلها لتُجمع في ما بعد بكتاب "عيون آسيا". المؤلف قام بمحو وتحوير معاناة الجنود الهنود خلال الحرب وزيّن صورة بريطانيا العظمى في عمل أبعد ما يكون عن الواقع وهو ما كان محط إعجاب للمخابرات البريطانية والحال نفسه مع القراء الذّين أعجبوا بالصور الإيجابية وغير النمطية للهنود.
• "الدكتور جيفاغو" للروائي الروسي بوريس باسترناك
خلال الحرب الباردة، سعت الـCIA الى خرق الرقابة في الاتحاد السوفياتي عبر الترويج السري لمؤلفات تثير نقمة الشعب على الإدارة السوفياتية. من بين العديد من المؤلفين الروس، كان بوريس باسترناك المفضل لدى المخابرات البريطانية، وقد أشادت الـCIA بـ"القيمة الدعائية الكبيرة" لروايته "دكتور جيفاغو".
مُنعت الرواية من النشر في المجلات الأدبية ودور النشر السوفياتية، بسبب شراسة باسترناك ومناهضته للاشتراكية، لتنشر الرواية فيما بعد في إيطاليا عام 1957.
اغتنمت الـCIA هذه الفرصة لإثارة الشكوك والاستفهامات بين السوفيات حول الخطأ في حكومتهم، فنشرت الوكالة الكتاب باللغة الروسية لتوزع أكثر من 1000 نسخة بمساعدة الوكلاء في أوروبا الشرقية وفي المعرض العالمي في بلجيكا. فاز باسترناك بجائزة نوبل بسبب عمله الدعائي في الكتاب، لكنه توفي قبل أن يرى شهرة كتابه عالمياً بعد تحويله الى فيلم في عام 1965.
• "بارتيزان" للروائي بيتر ماتيسين
عندما تأسست وكالة الاستخبارات الأميركية CIA، وظفت العديد من الرواد في جامعة ييل، وكان من بينهم بيتر ماتيسين. أرسلته الوكالة الى باريس بمهمة تجسسية كان غطاءها كتابة رواية "الحزبيون" التي تتحدث بالتفاصيل عن الحزب الشيوعي.
وكانت هذه الرواية الانطلاقة لماتيسين الذّي أسس فيما بعد مجلة باريس ريفيو الأدبية، التي استخدمها أيضاً كغلاف للتجسس على الفنانين والمثقفين الأميركيين اليساريين الذين انتقلوا إلى باريس، حيث اعتقدت وكالة المخابرات المركزية أن هذا غطاء أفضل لعمله التجسسي.
• "أن تقرأ لوليتا في طهران" للكاتبة الإيرانية آذار نفيسي
اشتهرت آذار نفيسي، المهاجرة الإيرانية وأستاذة اللغة الإنكليزية، في عام 2003 بعد نشرها مذكراتها عن الثورة الإسلامية. حققت "تقرأ لوليتا في طهران" نجاحاً واسعاً في أميركا، حيث أمضت 117 أسبوعاً في قائمة "نيويورك تايمز" الأكثر مبيعاً. وتروي القصة المثيرة حياة ثماني نساء إيرانيات يلتقين سراً لدراسة روايات نابوكوف وغوستاف فلوبير وهنري جيمس.
أشادت السيدة نفيسي بمؤسسة "سميث ريتشاردسون"، التي تسعى إلى "تعزيز المصالح والقيم الأميركية في الخارج"، بدورها في كتابة الكتاب. وبالنسبة للقراء الغربيين، فإن الرواية تدعم الحكم القاسي على النظام الثيوقراطي الإيراني الذّي تسعى أميركا للتخلص منه.
• "مائة عام من العزلة" للروائي غابرييل غارسيا ماركيز
منعت أميركا غابرييل غارسيا ماركيز من دخول البلاد لمدة ثلاثة عقود لأنه كان منخرطاً في الحزب الشيوعي الكولومبي في الخمسينيات. رغم ذلك، نشرت "موندو نويفو"، وهي مجلة كولومبية تمولها الـCIA، فصلين من تحفته الفنية "مائة عام من العزلة"، قبل عام من نشر الكتاب في عام 1967. لم تتضمن المقتطفات المنشورة الاتهامات التي تسطرها الرواية عن "مذبحة الموز" عام 1928، حيث قتل الجيش الكولومبي حوالي 75 من موظفي شركة الفاكهة بضغطٍ أميركي.
ما طبعه "موندو نويفو" كان وصفاً لكولومبيا بالأسلوب الذي أصبح يُعرف لاحقاً بالواقعية السحرية. وأظهرت المجلة، التي نشرت بشكل أساسي مقالات مؤيدة لأميركا ومناهضة للشيوعية، أنها منفتحة أيضاً على العمل الذي كتبه أتباع اليسار السياسي. غضب ماركيز بعد اكتشافه أن "موندو نويفو" كان يدفع لوكالة المخابرات المركزية حيث أرسل رسالة الى محررها معرباً فيها عن استيائه الشديد.
• "القمر في الأسفل" لجون شتاينبك
في حزيران 1940، بعد يومين من توقيع فرنسا هدنة مع ألمانيا، كتب جون شتاينبك إلى الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت، يحث إدارته على إنشاء دعاية "فورية ومضبوطة ومدروسة". ليأخذ شتاينبك بنصيحته الخاصة، ويكتب قصة لإلهام الناس في أوروبا المحتلة للانتفاض ضد النازيين.
تدور أحداث الرواية في دولة أوروبية لم يذكر شتاينبك اسمها غزتها قوة فاشية.
كتب شتاينبك أن المكان الخيالي يتميز بخطورة النرويج ومكر الدنمارك وعقلانية فرنسا، حيث فشل المحتلون في إخضاع الانتفاضة. قام المقاومون ضد النازيين بترجمة الرواية وتهريبها إلى النرويج والدنمارك وفرنسا في عام 1945. بعد نهاية الحرب، أعطى ملك النرويج شتاينبك صليب الحرية في البلاد لمساهمته في حركات المقاومة الأوروبية.