عن دار النهضة العربية في بيروت، صدرت حديثاً المجموعة الشعرية الثانية للشاعر والمترجم المصري أحمد زكريا وقد حملت توقيع "ما لم أستطع قولَه لأحدهم بلغةٍ أخرى". تقع المجموعة في 56 صفحة من القطع الوسط وتتوزع على 20 قصيدة.
تنطلق قصيدة زكريا من ذلك المكان القصيّ الذي غالباً ما يشبه الطائر المحلّق الذي يرى الأشياء بعين جامدة. التوغّل في المجموعة يكشف أنّ شعر زكريا أشبه بصورة فوتوغرافيّ أو مرآة قديمة. تقرأ القصيدة فتشعر أنك أمام كائن هامشي معزول، بعيد كلّ البعد عن التراث إلا أنه في الوقت ذاته منغمس فيه بل متورّط.
على هذه الشاكلة تمشي القصائد في المجموعة: بين روح تكتب وذات قلقة هشة تروي. ذات لا تملك سوى التجوال في الأمكنة والشخوص الكثيرة ومحاكاتها ومخاطبتها والانطلاق منها لرؤية العالم.
تنبع مفردات الشاعر من مكان متشرّد عابر أو قديم، هذا المكان هو بمثابة حيّز ثنائيّ الوجهة: الوجود والهوية. تتعاطى كلمات أحمد زكريا مع العالم على أساس هذا الحيّز. لا تخفي سخطها على العالم بقدر انغماسها فيه.
بين الحدس والإحساس والشعور والعقل والمنطق وحتى الموسيقى التي تستبطنها القصائد تسيرُ "ما لم أستطع قولَه لأحدهم بلغةٍ أخرى" لتصير بصمةً أو بناءً واقتراحاً في صيرورة القصيدة المعاصرة.
نذكر أنّ أحمد زكريا شاعر ومترجم مصري من مواليد عام 1984. مقيم في تركيا، ويعمل باحثاً متخصصَّاً بالشأن الثقافي التركي.
صدرت له مجموعة شعرية بعنوان "جداليَّة" عن دار المحروسة في القاهرة عام 2009، وحصلت على جائزة متحف محمود درويش الشعرية لعام 2015. كما صدر له العديد من الترجمات عن التركية بمشاركة المترجمة التركية ملاك دينيز أوزدمير، أبرزها: "ثلاث سنوات ونصف مع ناظم حكمت" لأورهان كمال، ورواية "الشيطان الذي بداخلنا" لصباح الدين علي، و"أنطولوجيا الشعر التركي الحديث"، و"الدنيا قِدرٌ كبير وأنا مِغرفة.. رحلة مصر والعراق" لعزيز نسين، الحاصل على "جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة" (2020 - 2021) في فرع "الريبورتاج الرحلي المترجم-الرحلة الصحافية".
نقرأ في المجموعة:
لا أبحثُ عن بلادي
أبحث عن كلماتٍ لم يكتبها الشعراء
بعيداً عن بلادهم..
أبحث عن بلادٍ لا تحاول أن تحذف الربيعَ
من الكتب المدرسية..
أبحث عن أغنية جديدة
لم يقتلعها العساكرُ من حناجر المُغَنِّين..
أبحث عن قصيدة تنصب الفخاخَ للحنين،
حتى إلى أمي
الطائفية الوحيدة التي أحببتُها، وهي تدعو اللهَ لي وللمسلمين فقط..
أبحث عن معنى آخر لِلغتي الأمِّ..
وعن لسانٍ آخر
لا يفكر بلغة، ويتحدث بأخرى..
أبحث عن ذاكرةٍ جديدةٍ
لا تبحث عن بلاد لا تسأل عني.
جاء في تظهير الكتاب كلمة مقتضبة للشاعر المصري عبد المنعم رمضان مقتطفة من حوارية له في إحدى المجلات الأدبية جاء فيها:
"هذه القصيدة كتبها شاعر مصري يعيش في تركيا منذ ما بعد يناير 2011، اسمه أحمد زكريا، أثارت قصيدته غيرتي، وتمنيتُها لي".