"سيبقى الصيّاد بطلاً تمجّده حكايات الصيد المرويّة، ما لم يكن للأسد مؤرخٌ يكتب بطولاته".
انطلاقاً من هذا المثل الأفريقي، شرع الكاتب عدي لزية في مشروعه الروائي. على ضوء الأحداث في قطاع غزة، رأى أنّه من الضروري إعادة النظر في التاريخ. وبعد أن غاص لزية في روايته الأولى "بكاء تسلا الأخير" (2021)، محاولاً الانتقام لنيكولا تسلا من توماس أديسون والتاريخ، وإعادة الحقّ المعنويّ المسلوب، من خلال سفره عبر الزمن إلى لبنان في 17 تشرين 2019 هرباً من موته المحتوم عام 1943.
"تسلا هو فلسطين المجتمع العلمي"، قال الشاعر والدكتور مهدي منصور، وكان لا بد من الانتصار له.
من مظلومية تسلا، انتقل لزية إلى قصة طباخ السم الذرّي روبرت أوبنهايمر: هل حقاً هو الأب الروحي للقنبلة الذرية؟ أم أينشتاين؟ وهل غُرر به ليقود مشروع منهاتن بالرغم من أنه كان لا يزال صغير السن ويوجد علماء آخرين يستحقون ذلك المنصب أكثر منه ومن بينهم أينشتاين؟
وهل فعلاً تم الإيقاع به في فخ الشهرة لحماية صورة السامية حتى لا يقال أن أينشتاين اليهودي هو من اخترع القنبلة وساهم في قتل الآلاف في هيروشيما، وسط استغلال بكائية الهولوكوست لاستعادة الحق المزعوم؟
من تلك الإشكاليات انطلق لزية في رواية "أعراس يوم القيامة / قنبلة أوبنهايمر الرابعة" (2023)، والتي تنتمي إلى أدب ما بعد الكارثة (post-apocalyptic) وهو أحد فروع الخيال العلمي. وتروي الرواية قصة حرب عالمية نووية شاملة تقع بين روسيا وأميركا تؤدي لهطول الشتاء النووي وبالتالي موت البشر... ونجاة الصراصير!
للصراصير القدرة على تحمّل الأشعة النووية 10 أضعاف قدرة البشر. يتحدّثون في الرواية بعد تعرّضهم للأشعة، وقد التقط لزية هذه الفكرة من بحث علمي أجري على "فراشة تشرنوبل"، حين لاحظ العلماء تبدّل تسلسل الحمض النووي للفراشة التي تعرضت للإشعاعات في انفجار المفاعل النووي في تشرنوبل.
من هذه التوليفة، ينطلق لزية في روايته بإيقاع سريع، حيث يعمل الصراصير على إنقاذ الأرض وإعادة بناء البنية التحتية البيئية بمساعدة "هياسو "، البشري الوحيد الذي نجا.
تتحرك الرواية بين ثلاثة خطوط زمنية، الماضي والحاضر والمستقبل، ويروي الكاتب لمحات من سيرة روبرت أوبنهايمر ومعلومات سرية لمشروع منهاتن ولحظة سقوط قنبلة هيروشيما. وقد يكون استشرف المستقبل، بنهايات أخطبوطية كلّ واحدة منها كانت لتنهي الحياة على سطح الكرة الأرضية، ومنها سيطرة الذكاء الاصطناعي على مركز القرار في العالم وهبوط الفضائين. كما قدّم الكاتب مراجعة قريبة من التاريخية عن أهم الحوادث النووية التي كادت أن تؤدي لنشوب حرب نووية شاملة، منها أزمة الصواريخ الكوبية 1962.
هدف لزية في "أعراس يوم القيامة / قنبلة أوبنهايمر الرابعة" كان شرح التاريخ بطريقة تجعل القارئ يشكّك في مدى صدقيّة الأحداث وصحة المسار الذي سلكه العالم العلمي والثقافي نتيجة ذلك التحول.