التقيت به ذات مرة، ولم أكن أعرفه. سألني "هل قرأت كتابي عن بشير؟"، اجبته "لا"، عاجلني "ولماذا لا تحب بشير؟". قلت "وكيف فهمت ذلك؟"، قال: كل الذين يحبون بشير تهافتوا على كتابي ونهلوا منه. في كل حال، سأرسل لك كتابي هدية، وسأجعلك تحبّ البشير". ابتسمت ولم اجب بكلمة، لأني في الحقيقة، لم اكن اعرف هوية محدثي.
في اليوم التالي وصلني الى مكتبي كتاب الدكتور جورج فريحة "مع بشير، ذكريات ومذكرات" (دار المشرق) وعاجلني باتصال هاتفي قائلاً: "عدني بأنك ستقرأه وتتصل بي لاحقاً". ضحكت مجدداً. ولم اعترف له لاحقاً بأني استمتعت بقراءة كتابه، لأنه يروي قصصاً شخصية ووقائع تاريخية، وهو القريب والعالم بالتفاصيل. والكتاب للحقيقة شيق، سهل القراءة، ولا اعلم مدى حياديته في نقل الوقائع، لان رؤية الكاتب وعلاقة القربى غالبا ما تطبع عملية النقل والتحليل.
ووفق الناشر "دار المشرق" في العام 2017: خلال أقل من عشرة أيام، نفدت نسخ الطبعة الأولى من كتاب الدكتور جورج فريحه "مع بشير، ذكريات ومذكّرات" الصادر في 14 آذار في إطار المهرجان اللبناني للكتاب الذي تنظّمه الحركة الثقافية في إنطلياس. وقد صدرت الطبعة الثانية من الكتاب المذكور بعدد نسخ مضاعف، ووزعت على المكتبات.
كما بات معروفًا "مع بشير، ذكريات ومذكّرات"، يكشف الكثير من المسائل غير المعروفة على مستوى تدرّج الرئيس بشير الجميّل في الحياة العامة ودخوله على خط الحرب اللبنانية من بوابة الأشرفية التي واكبته على مختلف الصعد ودعمت مسيرته نحو السلطة. كما أنه ينهي جدلًا قديمًا حول ترشيح النهج الشهابي للنائب والوزير الراحل موريس الجميل بدلًا من حاكم مصرف لبنان الرئيس فيما بعد الياس سركيس، عندما تبيّن للنهج أنه يصعب على مرشحه الفوز بانتخابات الرئاسة سنة 1970. فقد آثرت عائلة موريس الجميّل طوال نصف قرن تقريبًا أن تتحفّظ عن الإدلاء بأي معلومات أو موقف بهذا الشأن. وها إن الدكتور جورج فريحه يكشف بعض التفاصيل وينشر كتاب استقالة الراحل الكبير موريس الجميّل، ردًا على ما اعتبره أزمة ثقة بينه وبين الكتائب. وتفيد أوساط مطّلعة أن المعلومات المنشورة في الكتاب عن هذه المسألة أثارت استياء الرئيس أمين الجميل ونجله النائب سامي الجميّل. وقد تُرجم هذا الاستياء بغياب أي مسؤول كتائبي عن حفل التوقيع وعن الحضور إلى المعرض لاقتناء الكتاب. كما أن الدكتور فريحه يروي في كتابه جوانب لم تتطرّق إليها المؤلّفات الكثيرة التي تناولت فصول الحرب اللبنانية الممتدة بين 1975 و1990، وبخاصة في سنواتها الأولى، عن الحياة اليومية للّبنانيين وطريقة تصديهم لشؤونهم الحياتية والاجتماعية والصحية والبيئية.
في الشق السياسي، يكشف الكاتب عن محاضر تنشر للمرة الأولى عن اجتماعات الرئيس بشير الجميّل مع المسؤولين الإسرائيليين في نهاريا، ثم في بكفيا والاتفاق الذي تمّ التوصل إليه بينه وبين وزير الدفاع الإسرائيلي آرييل شارون ومصادقة رئيس الوزراء مناحيم بيغين عليه التي نقلها القائم بالأعمال الأميركي روبريت باريت في الساعة التي دوّى فيها انفجار الأشرفية.
كما ينشر الكاتب أيضًا محاضر اجتماعات العمل التي عقدها الرئيس المنتخب بشير الجميّل يومي الإثنين والثلاثاء 13 و14 أيلول 1982 مع كبار الضباط والمدراء في الأجهزة الأمنية والمؤسسات الرسمية اللبنانية، وفيها تفاصيل مهمة جدًا عن سير الأعمال فيها والتحديات التي تواجهها ونظرة القيمين عليها لكيفية إصلاحها.
إنه كتاب مثير ينطوي على العديد من الأسرار، يعود إلى المكتبات بكميات كبيرة، بعدما أنهى تهافت القراء عليه طبعته الأولى بسرعة قياسية."
بالأمس قرأت تغريدتين تنعيانه من يمنى الجميل ونديم الجميل، فعلمت ان الدكتور جورج فريحة غادر هذه الحياة. واستعدت شريط الذكريات القصيرة والقليلة، لكنها طريفة وودّية في آن واحد.
يذكر ان الراحل فريحة، حائزٌ على الدكتوراه من جامعة مساتشوستس، أستاذ في كليّة الطب في الجامعة الأميركية في بيروت. ثم مدير فرع الجامعة في المناطق الشرقية. المؤسّس والمنسّق العام للهيئات الشعبية، ورئيس تجمع الأندية الرياضية. ورئيس المستشارين Chief of Staff للرئيس بشير الجميّل. نشر أكثر من أربعين منشورًا علميًا وله مؤلفات كثيرة في الطب والأدب.