أطلق "آرت دبي" سِمة "جغرافية الحلم" على نسخته الـ16 في مدينة الجميرة، ولم يخذُل زوّاره. نجح المعرض، وعلى مساحة فنية واحدة، في اختزال خريطة العالم، ما يُمكّن قاصده من التعرّف إلى ثقافات الدول أجمع، من شمالها إلى جنوبها.
يعود المعرض اليوم بين الأوّل والخامس من آذار، من بوابة الإمارات الثقافية، بعد نجاح مستدام كأحد أكبر المعارض في المنطقة، فاتحاً ذراعيه لـ130 مشارِكاً من 40 دولة، وسط تنوّع هائل في الفنون المعاصرة والحديثة والرقميّة، بدءاً من أميركا اللاتينية، إلى أوروبا، ووسط آسيا وجنوبها وشرقها، وصولاً إلى الشرق الأوسط والخليج، حيث مهد الثقافة العربية.
في حفل الافتتاح، اعتبرت المديرة التنفيذية لـ"آرت دبي" بينيديتا غيون، أنّ المعرض "يحاول إعادة صياغة مفهوم المعرض الفنّي، وهو ما يعكسه البرنامج المتنوّع هذا العام، تأكيداً على دورنا كنقطة التقاء للصناعات الإبداعية في المنطقة"، ونحن نفخر لكوننا منصّة حاضنة للموهبة، ومحفّزة للاقتصاد الإبداعيّ والقطاع الثقافي في دبي".
وتأكيداً منها على دعم هذه الفعاليات وضمان نجاحها، جالت رئيسة "هيئة الثقافة والفنون" في دبي الشيخة لطيفة بنت محمد بن راشد آل مكتوم، في زوايا المعرض، مرحّبةً بالحضور ومثنيةً على أهمية دعم الأعمال الفنية.
وظّف "آرت دبي" إمكاناته لدعم الأعمال التي يُمكن اعتبارها مهمّشة عالميّاً وسط ضخامة عروض أخرى، فبات التركيز على "الجنون العالميّ"، وفق ما يصفه القائمون على المعرض، جزءاً من العمل في السنوات العشر الأخيرة، فشكّل "آرت دبي" منصّة مضيئة لها، وصوتاً للفنّ الذي لا يجد له مكاناً يحتويه.
إطلالة على "آرت دبي ديجيتال"
شكّل إطلاق النسخة الأولى من "آرت دبي ديجيتال" العام الماضي تحوُّلاً خلّاقاً في رؤية المعرض للفنون ومواكبته للتطوّر الرقمي والتكنولوجي، فكانت العودة بعروض جديدة هذا العام أيضاً نافذة إبداعية لحضّ الجمهور على اكتشاف عالم الـ"ميتافيرس".
وكنموذج عن هذه الفنون، بنت الفنّانة جين ستيلكو Jen Stelco غرفة في عالم الـ"ميتافيرس" تضمّ أعمالاً من NTFs لعدد من الفنانين الذين زاروا الإمارات العربية المتحدة في تشرين الثاني الماضي، واستوحوا من حضاراتها عناوين تصاميمهم، قبل عرضها للبيع رقميّاً اليوم.
قام الفنانون بابتكار نقطة موحّدة لشراء مجموعة كاملة من الأعمال في الـNFT، وذلك عبر امتلاك الفرد لبطاقة ائتمان تُمكّنه من الحصول على ما يُعرَف بـ"Airdrop"، تضمّ 6 أعمال فنية.
وبالتعاون مع "هيئة الثقافة" في حكومة دبي، أطلق المعرض، هذا العام، زاوية جديدة تُعرّف بـ"مقتنيات دبي"، وهي أوّل مجموعة ثقافية على منصّة "ديجيتاليّة"، تهدف إلى حضّ كبار المقتنين في المنطقة على مشاركة أعمالهم.
مشاركة عربيّة في الفنّ المعاصر
من صالة إلى أخرى، تتداخل الألوان بين الأعمال الفنية وتتناقض، فيجد الزائر نفسه جزءاً منها، قد تخاطبه بلغة تشبهه أو قضيّة تمسّه.
ليس المشاركون للمرّة الأولى في المعرض أجانبَ فحسب، بل هناك فنانون إماراتيون وجدوا فرصتهم اليوم للإضاءة على أعمال محفوظة لديهم لسنوات.
في الجناح المخصَّص للفنون المعاصرة، يُقدّم "غاليري عايشة العبّار" من دبي أعمال الفنانَيْن الإماراتيَّين سلطان الرميثي وأسمى بن حمى، والتي تشتمل على ألواح زيتية ورسومات معمارية وأعمال نحتية، تطرح موضوع الحنين الحديث إلى فترة الثمانينات في الإمارات، التي شهدت تغيّراً سريعاً في العمارة حينذاك.
تقول مديرة الغاليري مها الشريف لـ"النهار العربي" إنّ "هذه المشاركة تُمثّل فرصة أساسية للإضاءة على الحضور الفنّي الإماراتي من جهة، والتعرُّف إلى فنون أخرى من الخارج، بتقديم أعمال منقولة من وجهة نظر جديدة لتاريخ الإمارات".
وبالرؤية ذاتها، وَجد الفنّان الإماراتي رامي فاروق الفرصة مؤاتية لعرض أعماله في هذه الدورة، فاختار المشاركة مع صالة "أثر" السعودية، لِتقديم نتاج عمل فنّي لـ16 عاماً حمل عنوان "بعد 16 عاماً".
لا يقتصر عمله على نوع فنّي واحد، بل هو فنّان متعدّد الوسائط، إذ يقدّم أعمالاً بالسيراميك، وأخرى تجمع بين الرسم التقليديّ والفيديو. ومن خلال تصاميمه، يأخذ الفاروق الزائر في جولة إلى مسيرته المهنية، إذ إنّ الهدف من المشاركة اليوم "جمع الذكريات والأعمال، في حين أنّ أغلب المقتنيات المعروضة ليست للبيع إنّما لحفظ الذاكرة".
وعلى هامش الأعمال الفنية لـ"آرت دبي" أيضاً، يشتمل المعرض على برامج حوارية وحلقات نقاش وأعمال وورش للفنانين، وأخرى تناسب الأطفال والجيل الطالع، ضمن أكثر من 60 محاضرة موزّعة في مدينة الجميرة الجامعة للفنون والثقافات، والحاضنة للإبداع العالميّ المتنوّع.