شاركت فرقة "ماساكا كيدز أفريكانا" إحدى أشهر فرق الأطفال الفنية الراقصة في العالم، والتي تحظى بمتابعة ملايين الأشخاص عبر منصات التواصل الاجتماعي، في فعاليات الدورة الـ14 لـ"مهرجان الشارقة القرائي للطفل"، حيث أدّت عدداً من العروض المتميزة على مدار خمسة أيام متتالية.
لا يروي الفرح الذي تظهره الفرقة الآتية من القارة السمراء مقدار الحزن القابع في قعر نفوس أطفالها النجوم، بالرغم من أن خلف هذا الفرح العارم قصة حزينة تعود إلى زمن تأسيسها. إنها قصّة تختلط فيها مشاعر الحزن والفرح، بالرغم من أنّها تُلهم الأطفال والأهل؛ والسبب أن الفرقة تضمّ أكثر من 200 طفل من بلدة ماساكا في أوغندا، معظمهم فقد أمّاً أو أباً أو كليهما بسبب الحرب والمجاعة والمرض.
يعود تاريخ تأسيس الفرقة، التي أصبحت منظّمة غير ربحيّة، إلى عام 2014، وهدفها تغيير حياة كلّ طفل معذَّب في أفريقيا.
فرقة "مساكا" قبيل تأدية أحد عروضها في "مهرجان الشارقة القرائي للطفل".
فكرة الرقص أطلقها حسن سونا الذي لم يعرف المدرسة قطّ. إنه مؤسِّس الفرقة الذي نشأ في الشارع، وعاش طفولة معذَّبة، بعد أن فقد والدته في عمر مبكر جداً. اكتملت معاناته أثناء نشأته في كنف أبٍ متزوّج بـ5 نساء. والدته لم تنجب سواه. وبحكم وجوده مع زوجات والده، كانت كلّ واحدة منهنّ تعامله بطريقة أسوأ من الأخرى، ممّا دفعه إلى الهرب إلى الشارع.
سونا، في حديثه لـ"النهار"، يستذكر بحرقة المعاناة التي اختبرها في الشارع. يؤكّد: "لا أريد أن أرى طفلاً في الشارع. بقيت غصّة في قلبي أنّني لم أذهب إلى المدرسة يوماً. تلقّيت تعذيباً وضرباً في الشارع لا تزال آثاره على جسدي، وأعرف خطر الشارع على الأطفال".
كان سونا يُضرب من دون سبب، ويتناول طعامه من حاويات النفايات في الشارع. إحدى المنظمات الخيرية الأميركية العاملة في أوغندا ساعدته، وانتشلته من الشارع. كان حينها يحبّ الموسيقى الأفريقية، وكان يسأل نفسه معظم الوقت، "كيف يمكنني أن أغيّر حياتي وحياة جميع الأطفال الذين عاشوا طفولة مماثلة لطفولتي؟". وجد أنّه من خلال الموسيقى، التي يحبّ، يمكنه تغيير حياتهم.
"فعلاً هذا ما حدث"، يروي سونا، "فالله ساعدني على تحقيق حلمي ومساعدة الأطفال". لذا بدأ سونا بتجميع أطفال الشارع من حوله وتعليمهم الرقص؛ فلكلّ طفل في الفرقة قصة طفولة صعبة. لكن وجودهم في هذه المنظمة جعلهم ينسون ما مرّوا به، وفق سونا. كان جلّ ما يريد إيصاله إلى الناس أنّه "يمكننا الإبداع وتقديم شيء جميل بالرغم من قلّة إمكاناتنا المادية وصعوبة الحياه التي أتينا منها أنا والأطفال".
أصبح كلّ منهم يتولّى مهمة معيّنة في الرقصة، لكن سونا يتولّى إخراج الرقصة بكاملها، ويختار لباس الأولاد وخطوات رقصاتهم.
يشعر سونا بالفخر وبتعويض معنوي عمّا سلف من عذاباته حين يرى أحد الأطفال، الذين ساعدهم، قد وصل إلى المراحل الجامعيّة الآن. يؤكّد أنّ السرّ وراء نجاح فرقته على مواقع التواصل الاجتماعي هو "الله، فهو ساعدنا لتحقيق ما نحن عليه. فرقتنا وما وصلنا إليه وروح فرقتنا تجعلنا ننسى ما عانيناه في طفولتنا".
حالياً، تجني الفرقة الأموال من التبرّعات الخيريّة التي تأتيها من أفراد وجهات تدعم قضيّتهم. وتذهب هذه الأموال لمساعدة أطفال الفرقة في تعليمهم وتسديد إجارات منازلهم وتحسين سبل حياتهم. ويحلم سونا الآن بتشييد مدرسة كبيرة لهم.
قدّم أطفال "ماساكا" عروضاً في عدد من المسارح والمنصات العالمية، بينها مقرّ منظمة الأمم المتحدة في مدينة نيويورك، ومقرّ مجموعة البنك العالمي في العاصمة واشنطن، ومقر الاتحاد الأفريقي في إثيوبيا، وحصدوا عدة جوائز، منها جائزة "نيكيلوديون كيدز تشويس" 2021، عن فئة "النجم الاجتماعي الأفريقي المفضّل".
فوق ذلك، نالت فرقة "ماساكا" إعجاب ملايين المشاهدين حول العالم، منهم 3.45 ملايين مشترك على منصة "يوتيوب"، و7.8 ملايين متابع على منصة إنستغرام، و5.5 ملايين متابع على منصّة "تيك توك".