النهار

اللبنانيّة ياسمينا الصبّاح "السيدة الأولى" لأوركسترا "فردوس": "إكسبو دبي" منعطف حياة (صور وفيديو)
اللبنانيّة ياسمينا الصبّاح "السيدة الأولى" لأوركسترا "فردوس": "إكسبو دبي" منعطف حياة (صور وفيديو)
A+   A-
 

أولى فعاليات "الحدث التاريخي" الّذي يجسّده "إكسبو دبي 2020" تعمّدت الادهاش، فأوفت بانطباع أمين نلمسه في اللاحق؛ كان الحفل الافتتاحي قد أطلق مستوى الإبداع و"أدرينالين" الترقب عالياً، عبر رسائل العمق التاريخي والتطوّر الطَّموح الذي لا سقف له. اللغة موسيقى خارج المجرّة، من أداءأوركسترا "فردوس" المؤلفة من عازفات نساء حصراً، وقائدتها أيضاً شابّة من لبنان– وهنا بيت القصيد: إنّها ياسمينا الصبّاح (33 سنة)، وقفت بكامل تجلّيات الجمال والحرفية، تغزل وتنقل بيديها الرشيقتين وتعابير وجه يفيض نضارة، رسائل عن "وجه لبنان الجميل وسط كلّ ما يشوهّ صيته عالمياً. وهذا بالفعل وجهه الحقيقي"، على ما تقول لنا خلال حديث عن الفرقة وأمسياتها القادمة.

 
 
 

تطوّرت تجربة ياسمينا من قيادة الجوقات المحلّية الى أوركسترا "فردوس"، بالفرادة التي تجسّدها عازفات من 23 جنسيّة عربيّة من بينهنّ 7 لبنانيات، سيقدّمن 5 عروض موسيقية خلال "أكسبو دبي 2021" أوّلها "في 23 تشرين الأول الجاري وموضوعه "الفضاء" الذي يترجم أحد محاور المعرض".



أوركسترا الفردوس التي أبصرت النور برعاية  إيه. آر. رحمن في إطار الإكسبو، "نسائية" في تكوينها، و"نسوية" في معادلة العالم العربي الّذي لا يزال يشهد فراغاً في مضمار الموسيقيات النساء عموماً، وقائدات الأوركسترا خصوصاً، "لا بدّ من الوقوف عند المستوى الاستثنائي المطلوب منّا أداؤه. نخضع لبرنامج تدريب مكثف على مدار الساعة. كلّ ما يدور يثير لديّ الحماسة والانتظارات العالية".




كيف بدأ المشوار؟ بريق الموهبة صدّقته الأيام، ثمّ تدخّلت الصدفة لتنحرف نحو خيار آخر تخطّى الحلم الأول "من رغبة في امتهان الغناء الكلاسيكي إلى التخصّص بقيادة الأوركسترا (Conducting)"، تحمل ياسمينا شهادة ماجستير في قيادة الجوقات والأوركسترا من جامعة كامبريدج البريطانية: "شُغفت بالـConducting خلال دراستي الجامعية حين طلبَت منّي قيادة جوقة في إحدى مدارس بيروت. اليوم، أدير جوقة جامعة القدّيس يوسف".

خلال العام الماضي، تلقّت ياسمينا اتّصالاً من إدارة المعرض "أجريت الاختبارات عبر "الأونلاين" بسبب تفشّي كورونا، فكان اختيار الموسيقيات لا يطرح تحدّيات كبيرة أمام اختيار قائدة الفرقة؛ كيف سأستعرض أدائي عبر "الأونلاين"؟ خضعت لسلسلة مقابلات بعد اطّلاع إدارة المعرض على تسجيلات لأمسيات أدرتها سابقاً ليقع أخيراً الخيار عليّ".



"فردوس" علامة فارقة في المكتبة الموسيقية العربيّة، فالأخيرة تفتقرجداً إلى التجارب الأوركستراليّة ويأتي "إكسبو دبي" بشكل ومضمون تجاوزا الأطر السائدة. وإذ بقي دور "قائد الأوركسترا" مبهماً أو ملقى في الظلّ في ثقافتنا العربية التي لم تعطِ أهميّة حقيقية لدور العازف الخفيّ إلّا أنّه الأكثر ظهوراً على المسرح، سبقتنا التجربة الأوروبية بأشواط منذ ظهرت الحاجة في القرن الخامس عشر في إطار الغناء الكنسي إلى شخص ينظّم مجموعات الغناء الحرّ ضمن إيقاع ثابت، بدون إغفال حالة السبات التي أصيبت بها فيما بعد لتنهض مجدّداً في القرن التاسع عشر.

في التوازي، لم تتعرّف الموسيقى العربية إلى هذا المفهوم إلّا بحلول منتصف القرن العشرين، أي بفارق نحو خمسة قرون، من خلال أوبريت "الوطن الأكبر" التي قادها عبد الوهّاب مسقطاً تجربة مصر السياسية على أدائه. ولم يشهد العالم العربي تكريساً حقيقياً لدور قائد الأوركسترا حتى عام 1968، من خلال الموسيقى المصري عبد الحليم نويرة الذي أسّس "الموسيقى العربية لإحياء التراث"، حتّى إنّ مصر التي كانت السبّاقة في إنشاء أول أوركسترا سمفونية في بداية الخمسينيات، استقت موادّها من الموسيقى الكلاسيكية الغربية، وكان قائد الفرقة نمساوياً.

 

وفي هذا السياق يتظهّر تجديد "فردوس" الموسيقي ببصمة إبداعية يصعب على المستمع الفكاك من تأثيراتها سريعاً، إذ تقدّم "مزيجاً من الموسيقى الشرقية والعربية مع النمط الكلاسيكي"، وتعتمد نصوصاً مستوحاة من "موسيقى الأفلام وكلّ ما نقدّمه معدّ خصّيصاً للمعرض"، تذكيراً بأنّ العرض الأول تضمّن أداء الفنان العالمي أندريا بوتشيلي، والفنّانين العرب حسين الجسمي، وميسا قرعة، وألماس، وأحلام"، احتشد له ممثّلون عن 190 دولة في "التجمّع الأكبر حول العالم. قيادتي الأوركسترا ليست مجرّد تجربة. إنّها منعطف في حياة"، وفق ياسمينا.

نضع ما تقدّم في محاولة لإجلاء القيم المضافة في تجربة ياسمينا الصبّاح وأوركسترا "فردوس"، وقد يصحّ تأطيرها في منحى تاريخي، إذ قطعت الشابّة اللبنانية أشواطاً زمنية وثقافية هامّة في إنضاج القطعة الموسيقية من خلال تأويل أوركستراليّ أخّاذ.بداية واعدة هيّأها "إكسبو دبي" لترتقي الأوركسترا العربية بأيادي وإيماءات سيّداتها نحو مستوى فنّي عالمي.

 

 

اقرأ في النهار Premium