النهار

بالفيديو - فسحة للشباب في شوارع بيروت المظلمة... الكوميديا بشكل مُبتكر وأسعار مناسبة
جاد ح. فياض
المصدر: "النهار"
بالفيديو - فسحة للشباب في شوارع بيروت المظلمة... الكوميديا بشكل مُبتكر وأسعار مناسبة
شاكر بو عبدالله في أحد العروض.
A+   A-
فسحة صغيرة في الكرنتينا باتت ملجأ الشباب اليائس الذي يبحث عمّا يخفّف عنه مشقّة أيّام عصيبة. ساعات من الضحك والمتعة في الشوارع القريبة من مرفأ بيروت، والتي هجرتها الحياة، وفي داخل نادٍ ليلي يُدعى "Ked"، تُقام عروض "Stand up" كوميدية مسرحيّة، يقدّمها شبّانٌ وجدوا في هذه التجربة فرصة للتعبير والتحدّث عن اهتمامات عديدة لآخرين يشاركونهم الهموم والمتاعب نفسها.

تقف خلف هذا المشروع منصّة "Awkword"، التي تنظّم عروضاً يومية أو أسبوعية في النادي المذكور بشكل خاص، وفي مسارح أخرى، حيث تستضيف شبّاناً لبنانيين وعرباً لتقديم فقرات كوميدية، لا تتعدّى بطاقات الدخول إليها أكثر من 420 ألف ليرة.
 
كوميديا تتحدّث عن معاناة الشباب
ما يميّز هذه العروض هو واقعيتها، وقربها إلى المُشاهد، والتي يقدّمها كوميديّ جاء من أزقة وشوارع مظلمة، يستمدّ منها أفكاره كما من يوميات الشباب، التي باتت تحكمها الرتابة، ويُنهي فقرته ليعود إلى ممارسة حياته كأيّ شخص. لا تستضيف المنصّة شخصيّات معروفة أغرتها الشهرة والمال، وابتعدت عن الواقع، وهذه نقطة منحتها شخصيّتها وخصوصيّتها.

إلى ذلك، تدمج هذه العروض الكوميديا وحياة الليل في آنٍ ومكان واحدٍ. يميل الشباب بطبيعته إلى حياة الليل والصّخب والموسيقى، فيُنزل عن كاهله في هذا الوقت أوزار النهار. ومن منّا لا يتذكّر زحمة شوارع الجمّيزة، مار مخايل، الكسليك وغيرها حينما كانت الظروف تسمح بالسهر. تصميم المكان وإضاءته الخفيفة والموسيقى، بالإضافة إلى المشروبات الروحية، توحي بأنّه نادٍ ليليّ، لكنّه يقدّم الكوميديا، لا الرقص والعري.

الأفكار التي يطرحها الكوميديّون متعدّدة بين السياسة والمجتمع والدين والجنس. لا محرّمات، ولا خطوط حمراء، وحرية التعبير مفتوحة إلى حدّها الأقصى، فتسمح للمؤدّي بالحديث عن أيّ موضوع يُريده وبالطريقة التي تناسبه، وباللغة التي يحبّذها، وبالتعابير التي تخدم فكرته، حتى وإن كانت نابية. 

لكلّ من الكوميديين شخصيّة حقيقيّة مستمدّة من واقعه. حسين قاووق هو الشاب الشيعيّ الفقير الذي يعيش في ظلّ الثنائيّ "أمل و"حزب الله"، فيما شاكر بو عبدالله الشاب الذي فقد كلّ شغف وبات بارداً غير مبالٍ، أما شادن فقيه فهي المتحرّرة من قيود العادات والتقاليد، فيما يمثّل نيكولا طوق أبناء بشرّي، وجون الأشقر أبناء الأشرفية، وهكذا دواليك.
 

يكتبون فقراتهم من يوميّاتهم وتجاربهم، ويحكون ما يحصل معهم لا أكثر بطريقة فكاهية. لا يصطنعون النكت، و"لا فذلكة". وفي الوقت نفسه، يشعرون بثقل المسؤولية المرمية على عواتقهم، فالهدف الوحيد "جعل البائس يضحك". مهمة صعبة وسهلة في الوقت نفسه. بات الشباب يضحكون على أبسط الأحاديث والنكات لكثرة الهموم، لكن في الآن عينه، يحملون من الأثقال ما يكفي لتُصبح "الضحكة" صعبة المنال.
 
كيف انطلقت فكرة المنصّة؟
مؤسّس "Awkword" داني أبو جودة يُشير إلى أن الـStandup comedy جديدة على لبنان وعلى عالم المسرح والكوميديا في الآن عينه، إذ عمرها لا يتعدّى الستين عاماً، وهي فنّ كموسيقى الـHip Hop، جاءت من الشارع، ومن نيويورك الأميركية تحديداً، ومن بين الشباب تحديداً لتعبّر عنهم بطريقة عصريّة ومختلفة، خصوصاً أنها لا تحتاج إلى إمكانيات ضخمة وتجهيزات، وجلّ ما تحتاجه مكبّراً للصّوت.

وفي حديث لـ"النهار"، يكشف عن أن فكرة "Awkword" انطلقت في العام 2018، وكانت الأولى في لبنان، بمبادرة منه برفقة شابَين آخرين، حينما قرّروا تنظيم حفلات Standup comedy في ملهى في مار مخايل، لا يتّسع لأكثر من 50 شخصاً. لكن الإقبال حينها كان أكبر من المتوقّع، فتطوّرت الفكرة إلى أن شكّلت العروض منصّةً تضمّ عدداً من الكوميديين يقدّمون العروض على مسارح عدّة.
 

وعمّا يميّز هذه المنصّة، يلفت بو جودة إلى أن "العمل على تطوير الفكرة انطلق من منظار عمليّ ربحيّ، أي Business، وتصرّفنا على قاعدة أننا جمهور ولسنا كوميديين، فاستقدمنا شبّاناً غير معروفين لأداء العروض، وذلك بهدف التطوّر، لأن عرض الكوميديّ المعروف لا يُمكن أن يكبر أكثر من حجم الكوميدي نفسه، كما قمنا بتخفيض الأسعار وزيادة عدد العروض لجذب أكبر عدد من الحضور".

ويستطرد في هذا الإطار بالقول: "كما أن حرية التعبير التي نمنحها للكوميديين تميّزنا، فالفكرة التي يتمّ التعبير عنها بكلّ واقعيّة وأريحيّة تصل إلى الجمهور بطريقة أكثر سلاسة من تنميق العبارات تدوير الزوايا، بمعنى أن استخدام الكلمات النابية حيث تستدعي الفكرة يكون أفضل من اختيار كلمات أخرى قد لا تكون مناسبة، كما أن لا خطوط حمراء بالنسبة إلى المواضيع التي يتمّ التحدّث عنها، وهذا ما يحتاجه الكوميديّون والحاضرون على حدٍّ سواء". وفي هذا الإطار، يُذكر أن كوميديي المنصّة يحقّقون نجاحات كبيرة في لبنان والخارج انطلاقاً من نجاحهم معنا.

الكوميديا مسؤولية كبيرة وتُخلّف حالة "رعب"
الكوميدي شاكر بو عبدالله هو أحد الكوميديين الذين يعملون مع "Awkword"، ويقدّم عروض "كوديين"، ويتميّز بأسلوبه السّاخر والمتهكّم والبرودة الشديدة على المسرح، ويقدّم ما يُسمّى بالـDark comedy. يؤكّد بو عبدالله أن الشخصيّة التي يظهر من خلالها على المسرح هي نفسها شخصيّته في يوميّاته العادية، من دون أي تصنّع، مع القليل من المبالغات حيث تقتضي الحاجة، فالطبيعيّة هي النقطة التي تتميّز بها عروض الـStandup comedy.

وفي حديث لـ"النهار"، يعتبر أن هذا النوع من عروض الكوميديا يكون بمثابة مسؤوليّة كبيرة، تُخلّف حالةً من "الرعب" قبل الصعود إلى المسرح كما يصفها، فبرأيه أن "الناس لا تضحك بسهولة، لا بل إن إضحاك الجمهور من أصعب المهام، والفشل في ذلك يعني فشل العرض، كما أن لا دور آخر للكوميديّ سوى تقديم المادة التي تجعل الناس تضحك لمدّة ساعة من الوقت، بعكس المسارح الأخرى التي قد يدخلها الغناء أو المشاهد الدراميّة".
 

يُؤكّد أهمية هذه العروض في كونها تتحدّث عن قضايا مشتركة بين المقدّم والجمهور، ويقول، "نحن نقول بصوت عالٍ ما يُفكّر فيه الشباب في داخل عقولهم. فأنا بشكل خاصّ جئت من الشوارع التي جاء منها الشبّاب الحاضر، وربينا في نفس البيئة، مع العلم أنني من مواليد الـ1972، وعشت كافة تفاصيل الحرب، كما أن الكتابة مستوحاة من أحداث وأحاديث تحصل في اليوميّات العادية".

ويشدّد على أهميّة حريّة التعبير التي تُتيحها المنصّة، والتي تمنح المقدّم الأريحيّة في اختيار الأفكار التي يريد التحدّث عنها والتعابير التي يريد استخدامها، لكنّه يُشير إلى ان "الفقرة لا تتعدّى مجرّد كونها كوميديا ونكتة، وليست جريمة أو انتقاداً موجّهاً نحو أحد، وبالتالي ليس من المفترض أن ينزعج أحد أو يعتبر أننا "نقوّص" عليه.
 
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium