تكثر الاقتصادات الحديثة التي تشكّل نموذجاً تتبنّاها المهن بمختلف قطاعاتها، مثل اقتصاد المعرفة واقتصاد الإبداع والابتكار واقتصاد المحتوى. جميعها اقتصادات تعتمد على الأفكار والطاقات الفكرية الخلّاقة التي توجِد حلولاً لمشكلة، أو تستطيع جذب الناس لفرادتها وندرتها. وفي حين تنقسم الآراء بين مَن يعتبر أنّ الإبداع يخلق مع الشخص وعليه تنميته، وبين مَن يرى أنّه يمكن لشخص أن يصبح مبدعاً بالاكتساب، نطرح في هذا المقال أساليبَ تعزّز الإبداع لدى الطفل، وطرق كشف هذا الجانب لديه في وقت مبكر بهدف تعزيزها.
تلعب البيئة دوراً محفِّزاً وداعماً للأطفال لإظهار وتنمية طاقاتهم وإبداعاتهم. هذا ما أجمع عليه الخبراء في حلقة حوارية خلال "مهرجان الشارقة القرائيّ للطفل"، حول وسائل تطوير الابتكار لدى الطفل.
وفي حديث لـ "النهار"، شرحت الكاتبة الإماراتية بثينة أحمد شريف أنّ هناك تياراً اسمه تكنولوجيا وهو يحمل الجانبين السلبيّ والإيجابيّ في ما يتعلّق بالإبداع. ولتجنّب سلبيّاته واكتساب القدر الأقصى من الإبداع لدى الأطفال، يجب أن يتحلّى الأهالي بوعي كافٍ لتوعية أطفالهم، وأن يكون الوعي لدى الأسرة كاملاً تجاه الطفل، إلى جانب المعرفة التي تقدّمها المدرسة، وألّا يٌترك التعليم والتوعية على عاتق المدرسة فقط، فلكلّ من هذه الأطراف دورٌ في تعزيز الوعي لدى الطفل تجاه عدم الإفراط في استخدام التكنولوجيا، لاسيّما بشكلها السلبيّ، فذلك يؤثّر سلباً على قدرات الطفل الإبداعيّة.
كذلك، ترى شريف أنّه من المهمّ أن يُعطي الأهالي الثقة لأولادهم ويعزّزوها بأنفسهم، فغياب هذا الشعور يدفع بالطفل ليكون شخصاً ضعيفاً عندما يكبر، وسيخاف المواجهة والمغامرة والإبداع. إضافة إلى هذه الشروط، يجب توجيه الطفل إلى ما هو يحبّه أو يميل إليه. ومن العوامل التي تعزّز الابتكار لدى الطفل القراءة وتوسيع المعرفة والاطّلاع، وفق شريف. إذ عليه أن يكون مطّلعاً على مجالات مختلفة ليعزّز فكره ويثريه.
إلى ذلك، على الأهل أن يلتفتوا لما يقوم به أطفالهم. فإذا كان مبتدئاً بالرسم مثلاً، عليهم أن يوجّهوه ليقرأ عن الرسم ويبحث عن كيفيّة بروز كبار الرسّامين ليتعلّم منهم.
وبرأي شريف، الإبداع ميزة تخلق مع الإنسان لكن يجب تنميتها. فالإنسان يمتلك الخطوة الأولى، لكن تنقصه الخطوات التالية والمتبقّية، فعلى الطفل في هذه الحالة أن يكتسب الخبرة وأن يكون محلّ تشجيع ممَّن حوله، وأن يقصد المراكز المخصّصة لتطوير نفسه.
وتطرّقت شريف إلى كتابة الأطفال على الجدار بوصفها سلوكاً طبيعيّاً، "فهي وسيلة للتعبير عن مشاعرهم وأفكارهم وخيالهم". وعلى الآباء ألّا يروا في هذا السلوك مشكلة أو عدم احترام للممتلكات، لأنّ الأطفال يحتاجون إلى مساحة للإبداع والتواصل، وبدلاً من ذلك، يجب فهم سبب كتابتهم على الجدار، وتخصيصهم بلوحات رسم.
وبرأيها، تعتبر الإمارات من الدول الرائدة في دعم وتشجيع الابتكار والإبداع لدى الأطفال، فهي تقدّم العديد من المبادرات والبرامج الحكومية التي تهدف إلى تنمية قدرات الطفل وتطوير مهاراته ومواهبه، كما توفّر لهم فرصاً للتعلّم والتجربة والمشاركة في مجالات مختلفة، مثل العلوم والتكنولوجيا والفنّ والثقافة.
كيف نكتشف أنّ طفلنا مبتكر؟
وقالت المدير العام للمركز الوطنيّ بالهيئة العامة للسينما والمسرح والفنون الليبية الدكتورة أمينة الرويمي أنّ اكتشاف المواهب لدى الأطفال مسؤولية الجميع، وخاصّة الأسرة والمدرسة، فهما البيئتان الأساسيّتان اللتان ينمو فيهما الطفل.
ويمكن اكتشاف ملامح هذه المواهب من خلال كثرة تساؤلاته وخياله وحبّه لمعرفة كلّ ما يدور من حوله وأسبابه، كما أنّ الطفل الموهوب يكون حركيّاً جدّاً في أحيان، ولا يستقرّ في مكان واحد، ويطرح أفكاراً مبتكرة تختلف عن زملائه. لذلك، يتعيّن علينا أن نراقب هذه الصفات في أطفالنا، وأن ندعمهم ونشجّعهم على تنمية مواهبهم.
والابتكار يضمن قدرة الطفل على إنتاج أفكار جديدة ومفيدة في مجال معين، لكنّ هذه القدرة قد تواجه بعض التحدّيات، مثل الخوف من الفشل أو السخرية أو الانتقاد، وعدم الثقة بالنفس أو بالأفكار، وفق الرويمي. كما قد تؤثّر المشاكل الأسريّة أو التنمّر على نفسية الطفل وإبداعه. لذلك، يجب على الآباء والمعلّمين دعم وتشجيع الطفل المبتكر، والحفاظ على صحّته النفسية وثقته بنفسه.