باريس- أوراس زيباي
مدينة آرل العريقة في الجنوب الفرنسي المعروفة بصفتها مدينة الفن والتاريخ التي خلدها الفنان فان غوغ في لوحاته، تَفتح متاحفها وصالات عرضها ومؤسساتها الثقافية لمهرجان جديد هو الأول من نوعه مخصص بأكمله لفن الرسم الذي يقوم على الخطوط ويتضمن الحفر أيضا والتلوين.
من أعمال الفرنسية نادين كونيورتير.
تحضر في هذا المهرجان أعمال فنية حديثة ومعاصرة وأخرى تعود الى القرن التاسع عشر من بينها أعمال للأديب الفرنسي فيكتور هوغو الذي عُرف أيضا برسومه المميزة وبعضها يخرج للمرة الأولى من محفوظات المكتبة الوطنية في باريس ليُعرض في المهرجان. إضافة الى أعمال لأحد الرسامين المعروفين على المستوى العالمي هو الفرنسي جان جاك سامبيه (1932-2022) الذي يُكرمه المهرجان في دورته الأولى هذه من خلال معرض استعادي كبير. هناك أيضا عدد كبير من الفنانين يشاركون بأعمالهم الجديدة التي تعطي صورة عن الواقع الراهن لحركة الرسم في أوروبا اليوم، ومنهم الفرنسي إيرفيه دو روسا والبلجيكي بيار أليشنسكي، مع حضور نسائي بارز كالسويسرية الراحلة إيميليان فارني والفرنسية ميلين دوق.
لوحة للفرنسي سامبيه.
أما عن سبب اختيار الرسم موضوعا للمهرجان فيقول لنا مديره فريديرك باجاك "إن الرسم لغة تواصل أيضا وهو فن الطفولة الذي يجمع البشر لأن الرسم يولد مع الأطفال، ويستعملونه للتعبير عن أنفسهم حتى قبل أن يتوصلوا الى استعمال لغة النطق والكتابة".
بورتريه لسامبيه.
في هذا السياق، يوجد الرسم أيضا في طفولة الثقافات الإنسانية التي بدأت مع التعبير الفني الذي تطالعنا أقدم تجلياته في مغارتي شوفيه ولاسكو في فرنسا وعُثر فيهما على مشاهد رُسمت فوق الجدران وترجع الى أكثر من ثلاثين ألف سنة وتمثل حيوانات وآثار أياد مفتوحة، والقليل من الوجوه والأجساد البشرية.
من أعمال الفرنسي سامبيه.
العودة الى الرسام الراحل سامبيه تواكب الذكرى السنوية الأولى لوفاته وتلقي الضوء على موهبته الفذة التي تجاوز نجاحها واستقبالها الحدود الفرنسية لتعم دولا أخرى منها الولايات المتحدة الأميركية من خلال رسومه التي تعد بين أجمل ما رسم عن مدينة نيويورك حتى أن مجلة "نيويوركر" الشهيرة كانت دائما تواظب على نشر رسومه على غلفها. تلك الرسوم المتميزة بأناقتها ومتانة الخطوط فيها هي وليدة عين فرحة وساخرة في تناولها للواقع، وتستند الى خلفية فلسفية واجتماعية وشعرية في آن واحد. لا بد من الإشارة الى أن الفنان سامبيه ارتبط أيضا باسم شخصية الطفل الذي اخترعه "نيقولا الصغير" وقد بيعت من كتبه ملايين النسخ في العالم أجمع.
المهاجر، للفرنسي رولان توربور.
الرسوم المعروضة في المهرجان لا تقتصر على موضوع واحد بل تتناول موضوعات كثيرة تغطي الواقع اليومي أو تنقل تعابير الوجوه أو تتوقف عند المباني وعناصر الطبيعة في وجوهها المختلفة. من الأعمال اللافتة رسوم الفنان والحفار الاسباني إلروتو، المتعاون مع صحيفة "الباييس" الاسبانية. من هذه الرسوم لوحة بعنوان "أزهار الشر" (العنوان مأخوذ من ديوان الشاعر الفرنسي شارل بودلير) وتمثل دبابة تطلق النار، والقنابل التي تخرج منها تترك دوائر باللونين الاحمر والأصفر حمراء وهما اللونان الوحيدان الموجودان في هذه اللوحة المنجزة بالحبر الأسود. عن أعماله يقول الفنان الاسباني: "أنا شاهد أكثر مما أنا مبدع. ما أكتبه وأرسمه لا يأتي مني بل من المجتمع الذي يمليه عليّ ومن الزمن الذي أعيش فيه". هناك عمل آخر يختصر رؤية هذا الفنان وعلاقته بالواقع، "نحن لا نرى الظلام السائد حولنا لأننا نعيش في قلب الظلام".
لوحة للاسباني إلروتو.
من علاقة الفن بالواقع الى أعمال تنطلق من تخيلات وانطباعات ذاتية يحضر فيها الانسان والطبيعة، نشاهد رسوما ملونة للفنانة السويسرية آنّا سومر التي تقول: "الرسم يخلصني من الكلام، لكنه في الوقت نفسه لا يمنعني من رواية الحكايات".
لوحة للاسباني إلروتو.
هذه التظاهرة الفنية، وما سبقها وما سيليها من تظاهرات ومعارض جعلت من مدينة آرل الصغيرة التي لا يتجاوز عدد سكانها الستين ألف نسمة، مدينة لها موقعها في خريطة الإبداع المعاصر خاصة مع المهرجان السنوي المخصص للصورة الفوتوغرافية لمصوري العالم أجمع.