تعود جدليّة "الثقافة للجميع" كلّما أتينا على ذكر الأزمة الاقتصادية وتبعاتها على التربية. يجد التلامذة أنفسهم معزولين بشكل كبير عن التجربة الشخصيّة للغوص في ثقافة لبنان وتاريخه، بعيداً عن الوطنيّات والشعارات الرنّانة. المسارح مُظلمة وشبه فارغة والمعارض الفنّية شاغرة بسبب الانهيار. والمتحف الوطنيّ؟ ترفٌ لكلّ تلميذ استطاع إليه سبيلاً!
من المتحف.
يُتيح متحف اللوفر في باريس - على سبيل المثال - فرصة اكتشاف مكنوناته من دون أيّ تعرفة لمن هم دون الـ18 عاماً، وبين من تراوحت أعمارهم بين الـ18 عاماً والـ26 عاماً من سكّان دول المنطقة الاقتصادية الأوروبية. كذلك، يسمح متحف المتروبوليتان للفنون في نيويورك بالدخول لمن هم دون الـ12 عاماً. وفي المقابل، فإنّ التلميذ مُلزم بدفع ثمن بطاقة - وإن بسعر مخفّض - متى أراد دخول متحف بيروت.
وفيما تُشير معلومات "النهار" إلى صدور "قرار إضافيّ" في وقت سابق ولفترة زمنية محدّدة، أتاح الدخول المجاني للتلامذة الى المتحف، أعاد وزير الثقافة في حكومة تصريف الأعمال محمد المرتضى إصدار الجدول الاعتيادي لتحدّيد تعرفات مُقسّمة وفق الزائرين، بينهم الطلاب الذين جاءت تعرفتهم مخفضة وغير مجانية.
من المتحف.
تبقى إشكاليّة "إلزاميّة ومجّانية" الثقافة والفنون - تماماً مثل مبدأ إلزاميّة ومجّانيّة التعليم - مطروحة للنقاش. فأمام نقص الإلمام بتاريخ لبنان والأمجاد والمآسي التي عرفتها الشعوب والحضارات التي تعاقبت على أرضه، وفيما لا يُمكن للتلميذ مُعاينة آثار الحرب الأهلية في متحف بيروت، لا عجب في تراجع الحسّ الوطنيّ من جهة، وتكرار الأخطاء من جهة أخرى. فالجاهل بتاريخه يُكرّره.
تسعيرة مخفضة إذاً؟ ولكن ماذا ستضيف الى خزينة الدولة المفلسة والمؤسسات السائرة في طريق الانهيار، لأسباب متشعبة لعلّ أبرزها غياب الحسّ الوطني الجامع الذي تلعب التربية والثقافة دوراً أساسياً في ترميمه منذ الصغر؟!
الى وزير الثقافة الذي نتابع تغريداته المهتمة بالعمل من أجل إنجاز وطني لا نراه بعد، افتح أبواب المتاحف والآثار مجاناً أمام طلابنا، واجعل من الزيارة أمراً سهلاً اعتياداً، علّ الجيل الجديد لا يكرّر أخطاء سياسيي اليوم والأمس حين يحفظ تاريخه!