النهار

أنس البريحي يرسم حقيقة الإنسان في نومه… رحلة بحث لم تنتهِ
فرح نصور
المصدر: "النهار"
أنس البريحي يرسم حقيقة الإنسان في نومه… رحلة بحث لم تنتهِ
أنس البريحي متحدثاً إلى إحدى زوار معرضه.
A+   A-
 حوّل البيت جبلاً والحلم نهراً والموجة الهائجة سكوناً رقيقاً. وجعل الوجه صخراً والجسد سهلاً واللون وطناً والوطن لحافاً واللحاف صحراء والخريطة غيمة.
 
اختلطت عليه الصور، الذكريات، الأفراح والأحزان، فصوّر جسده غارقاً بذاته. وأراد للإنسان أن ينعم بالعدل، وأراد له أن يشعر بروحه وأن يكون حقيقياً، فوجده حين ينام، فعندما ينام الشخص يصبح أصدق.
 
هذا باختصار ما أراده الرسام أنس البريحي من لوحات المعرض التي عرضها في بيروت يوم الجمعة.
 
استعاد ذكريات طفولته في سوريا، حيث بدأ شغف الرسم منذ عمر السبع سنوات، واحترفه في بداية العشرينيات وبدأ بعرض لوحاته مذّاك الحين. "نعِمت بطفولة سعيدة" يقول أنس، انطبع بالطبيعة وعاش بشكل كبير فيها واندمج بالتراب والشجر والأرض وجميع العناصر الحقيقية لهذه الحياة، منذ صغره حتى اليوم.
 
 
"منذ أن تشكّل وعيي أدركت أنني أرى الأمور بشكل صحيح، وتبعت شعوري ومشيت خلف الضوء الذي ألهمني برؤيتي المختلفة للأمور، ولا زلت أشك وأسأل وأرى الأمور بشكل مختلف، ولا زلت في مسار البحث"، يقول أنس لـ"النهار". وكان خياره الجامعي منذ عمر الـ 15 عاماً أن يمتهن الفن والرسم.
 
و"من خلال ما وصلت إليه اليوم والمسار الذي مشيته منذ صغري، أنا أحقّق حلم الطفل الذي في داخلي لأري الناس ماذا يشعر ويفكر"، يسرد أنس.
 
لدى وصوله إلى بيروت في عام 2014، وقع أنس بغرام هذه المدينة من اللحظة الأولى، و"كانت هي سفرتي الأولى إليها، وأنا في طريقي على الحدود اللبنانية-السورية بدأ هذا الغرام ولا يزال حتى اليوم".
 
 
ويشكّل معرض "the turn" الذي أقامه في بيروت في الأيام الماضية والذي سيستمر في غاليري صالح بركات (كليمنصو) لشهر ونصف الشهر، معرضه الرابع في المدينة، إذ بيروت بالنسبة إليه عشق لا متناهٍ، وقد شهدت المعرض الأول له في حياته. وقد جابت لوحات أنس الجميلة دول أوروبا وأميركا والمملكة المتحدة وهونغ كونغ في معارض عالمية.
 
وما يميّز لوحات أنس عن غيره من الرسامين، هو استخدام الألوان القوية "المدروسة"، بحسب وصفه، إلى جانب عاطفته الصارخة في اللوحات. وأهمّ ما يضيفه على لوحاته هو بحثه عن الحقيقة لدى الإنسان، ووجده أنه في أصدق حال عندما ينام، بحيث تظهر كامل حقيقته.
 
 
النوم لدى أنس هو بحث أطلقه منذ حوالي خمس سنوات، طغى على لوحاته الأخيرة. فقد بدأ الإنسان بنظره من شخص ينام داخل غرفته إلى أن خرج إلى الطبيعة. وهنا وجد أنس علاقة بين الإنسان والطبيعة. وكلّما أدار الإنسان النائم واختفى وجهه، يتماهى مع الطبيعة أكثر ويصبح جزءاً من الوجود والمكان. "الإنسان بحاجة إلى الطبيعة وليس العكس"، برأي أنس. فإذا ما أزلنا الإنسان من لوحات أنس، لا تتضرر ولا يختلف جوهرها، بينما إذا أزلنا الطبيعة منها فيتحوّل الإنسان إلى "ثقب أسود".
 
عاش أنس ظروف الثورة في سوريا، ولا يمكن إلّا وأن يظهر تأثيرها في رسوماته. فقبل لوحاته التي تحمل الإنسان النائم، رسم لوحات تتعلّق بهجرة الإنسان، وكان دائماً في الشاحنة التي تقلّ هذا الإنسان، شخص نائم ينتقل من وطن إلى آخر. لذلك، أراد من معرضه الجديد أن ينيّم هؤلاء الأشخاص في أمان. و"الحرب في سوريا شوهتنا من داخلنا"، يروي أنس لكنّها لم تكن السبب في مجيئه إلى لبنان، إنّما حصوله على منحة من الجامعة اللبنانية كان السبب بعد أن كان الأول على دفعته.
 
 
أتى إلى لبنان قادماً من سوريا، بعد دراسته الفنون الجميلة في بلده، تخصّص بالدعم النفسي الاجتماعي في الجامعة اللبنانية بالماجستير واستقرّ في بيروت. 
يعيش أنس بين باريس وبيروت، "لكن أجد نفسي في بيروت طبعاً". وفي عشقه لبيروت والشام، أقام معرضاً خاصاً بلوحات عن هاتين المدينتين، أضافه إلى أرشيفه الغني، و"أعمالي بمعظمها في الخمس سنوات الماضية هي من وحي بيروت، فهي دائماً ما تعطيني الحب والطاقة والسبب للدفاع عن بلادنا".
 
أمّا العشر سنوات الأخيرة في حياته، فيصفها بكلمة واحدة: "الحرية"، وبرأيه، "ما بعد الحرية لا بد أن تأتي العدالة التي نبحث عنها". لذلك، "الناس وهم نائمون يشبهون بعضهم ويتساوون في ما بينهم، ويا حبذا لو يأتي يوم يشبه فيه الناس بعضهم وهم مستيقظون".
 
 
 
 
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium