وَضع معرض "بينالي دوحة التصميم" الثقافة العربية نُصب عينيه في إطلاقه دورته الأولى هذه السنة. الهدف الأسمى للحدث يتلخّص برواية التاريخ العربي عبر مجموعة تصاميم وأعمال فنية، تسرد قصص المنطقة للعالم بعيون ناسها. وقد نجحت مؤسسة "متاحف قطر" في تقديم الأعمال بطريقة عرض متحفيّة تُعبّر عن الهُويّة والنهضة الثقافية العربية.
يُشكّل المعرض "منصة احتفالية للعرب" باستضافته أكثر من مئة مصمّم من 22 دولة من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يتوزّعون على عدد من الاستديوات الفنية والمعارض والمتاحف المختلفة أعمالها، في ظلّ مسحة لبنانية حاضرة دوماً في مثل هذه النشاطات.
تحتضن مدينة مشيرب المستدامة هذا الحدث الثقافي حتى 28 شباط الجاري. وقد وضع القيّمون عليه جلّ آمالهم، ورغبوا في أن يخلق "نوعاً من الديناميكية مع النشاطات الأخرى، باعتباره الأول من نوعه في المنطقة".
لم يكن الهدف من تنظيم المعرض تجاريّاً أو تسويقيّاً، فالقيّمون عليه يتطلّعون إلى "النجاح في رفع مستوى الأعمال الفنية في العالم العربي، وإلى جعله مساحة للتصميم محليّاً وإقليميّاً وعالميّاً"، وفق ما يصف نائب مدير "دوحة التصميم" فهد العبيدلي. ويصرّح في حديث لـ"النهار" بقوله "نحن نسعى إلى عرض أعمال المصمّمين في فنادقنا وشوارعنا ومدننا، لنتأكّد من أنّ هذه المدن مصمّمة بأيادٍ ورؤية عربية".
إلى ذلك، ستحتفي فعالية الدوحة بأربعة مصمّمين عرب للفوز بـ"جائزة دوحة التصميم" تأكيداً للهوية الجامعة بين البلدان المشاركة في المعرض، وتكريماً لأعمالهم.
معرض "التصميم العربي الآن" الأكبر في "دوحة التصميم"
يضمّ الحدث 7 معارض متنوّعة، أكبرها معرض "التصميم العربي الآن"، الذي يجمع 74 مصمّماً عربيّاً، منهم فلسطينيون، حضروا وسط تحدّيات جمّة. وهنا يقول المصمّم الفلسطيني سامر سلباق لـ"النهار" إننا "نسعى لأن يرى العالم أعمالنا وتطوّرنا، وليُدرك الجميع أنّنا نحبّ الحياة، ونسعى لعيشها".
يُقدّم سلباق تصميماً لإنارة مزيّنة بنبتة "الليف"، بعدما اندثر استخدامها في البيوت العربية، خصوصاً في منطقة "بلاد الشام". يعزو اختيارها كمادّة أساسية لتصميمه بالقول، "نحن قسم من الطبيعة وثقافتنا غنية جدّاً... وقد أحببت انعكاس الخيال الذي تُخلّفه الليفة في الضوء". كما استخلص سلباق الصبغة من النباتات الفلسطينية، مؤكّداً أنّ "هذا هو جوهر الثقافة الفلسطينية الذي نسعى إليه كأسلوب جديد للتصميم".
الأعمال في معرض "التصميم العربي الآن" مستنبطة من الأرض ومنتجاتها. تركّز منسّقة المعرض رنا بيروتي على ضرورة "احترام البيئة الصحراوية وإحياء التقاليد والعودة إلى التاريخ في التصاميم، وكذلك إحياء المسار التاريخي الذي يجمع مجتمعاتنا، والتأكيد على ترابط أواصر العائلة".
الفكرة الأساسية لـ"المعرض العربي" وُلدت إثر عصف ذهني وحوار بين مصممين للبحث حول ما تتعطّش إليه المنطقة من أعمال فنية اليوم، فكان لا بدّ من تسليط الضوء على الثقافة الجغرافية.
في حديث لـ"النهار"، ترى بيروتي أنّ "هويتنا العربية مهمّة، وبات من الضروري إثبات وجودنا"، في ظلّ ما تعانيه المنطقة، معتبرةً أنّ "الترابط الروحي مع الأرض هو مرجعية، ويصنع ثقافة كاملة". ولم تغب عن بال المصمّمين أهمية إدماج التكنولوجيا في أعمالهم اليوم، لتشكيل صورة متكاملة عن مسار تاريخ المنطقة وحاضرها.
للمغرب حصّة في هذا المعرض أيضاً مع أعمال حرفية لافتة وأخرى مستوحاة من الصحراء. وقد استخدمت مصمّمة مغربية موادَّ من قطر لتصميم بناء يُعبّر عن التراث المغربي، فجمعت بذلك حضارة البلدين معاً. أمّا عن المشاركة اللبنانية، فتقول بيروتي لـ"النهار" إنّ "لبنان معروف بتاريخه الحرفيّ القويّ، والعلاقات اللبنانية القويّة بأوروبا والمحيط العربي أرثى مجال تصميم الأثاث".
معارض أخرى متنوّعة في "بينالي دوحة التصميم"
تحضر تصاميم دولة أوزبكستان بجناح خاص في "دوحة التصميم". يُعرَض تطوّر الفنون في أوزبكستان، ومنها الحرفيّات النادرة، مثل الطوابع الخشبية لصناعة الأقمشة. يزهو الجناج الأوزبكستاني بألوان النسيج والخشب، ويتصدّر المشهد تصميماً مبتكراً للمصمّمة اللبنانية ندى الدبس، بالتعاون مع حرفي أوزبكيّ، لإضفاء لمسة عصرية على التقاليد الحرفية.
إلى ذلك، يكشف جناح "ألوان المدينة: قرنٌ من العمارة في الدوحة" عن رحلة التطوّر العمراني للعاصمة القطرية. يُقدّم هذا المعرض مزيجاً من العمارة التقليدية للمدينة منذ تأسيسها، وصولاً إلى التطوّر المعماري الهندسي بشكله الحالي. كما يعتبر المعرض رحلة عبر الزمن للدوحة، وقد تمّ تصميمه بالجمع بين الأسلوبين الكلاسيكي والحديث.
أمّا أفغانستان، التي اشتهرت بحياكة النسيج والسجاد، فخصّص "دوحة التصميم" معرضاً لها تحت مسمّى "نسج القصائد"، يُقدّم أعمالاً تركيبية وفنية للمصمّمة الأفغانية مريم عمر. في هذا الركن إبداع فنيّ فريد، يجمع ما بين حرفة الحياكة التقليدية، وسرد الأشعار المرتبطة بها، التي كانت الناسجات يحفظنها في السابق، مع المحافظة على المشهد التراثي لأفغانستان.