مارلين سعاده
إيهاب القسطاوي كاتب وخبير تربوي مصري، مقيم في لبنان، رشّحته وزارة التعليم العالي لتولّي منصب مدير كرسي الألكسو ALECSO الذي أنشأه د. محمد ولد أعمر، المدير العام للمنظمة العربيّة للتربية والثقافة والعلوم التي تُعرِّف عن نفسها من خلال موقعها الإلكتروني بأنّها "منظمة متخصّصة، مقرّها تونس، تعمل في نطاق جامعة الدول العربيّة (لبنان عضو فيها، كما هو معروف) وتعنى أساسًا بالنهوض بالثقافة العربيّة بتطوير مجالات التربية والثقافة والعلوم... وقد أنشئت المنظمة بموجب المادة الثالثة من ميثاق الوحدة الثقافيّة العربيّة وتمّ الإعلان رسميًّا عن قيامها بالقاهرة يوم 25 جويلية/ يوليو 1970". وتشير منظّمة ألكسو، أيضًا عبر موقعها الإلكتروني، إلى أنّ أحد أهدافها الرئيسة "التمكين للوحدة الفكريّة بين أجزاء الوطن العربي عن طريق التربية والثقافة والعلوم، ورفع المستوى الثقافي حتى يقوم بواجبه في متابعة الحضارة العالميّة والمشاركة الإيجابيّة فيها".
بالعودة إلى مدير كرسي الألكسو، الكاتب والخبير التربوي المصري إيهاب القسطاوي، نلاحظ من خلال سيرته الحافلة بالنضال، أنّه كرّس جهده لمتابعة شؤون الطفولة، في سعيٍ منه لتلبية احتياجات الطفل والتوعية على كيفيّة مساعدته لينمو نموًّا صحّيًّا وسليمًا على الصعيدَيْن الفكري والمعنوي؛ وقد يكون اتّجاهه هذا ساهم في تعيينه مديرًا لكرسي الألكسو، هذه المنظّمة التي تُعنى بشكل خاصّ بخدمة الطفولة.
كتب القسطاوي عددًا من الأقاصيص للصغار، كما يقوم إلى الآن بإعداد وتسجيل وبثّ برامج إذاعيّة ومتلفزة (كبرنامجه "أبجديّة تربويّة" على قناة Mariam TV) يتحدّث من خلالها عن واقع الطفل واحتياجاته وأولويّاته، بغيةَ بثّ الوعي في المجتمع ولدى الأهل بشكلٍ خاص، لمعرفة كيفيّة التعامل مع الطفل، وتنمية مهاراته، ومنحه أجواءً صحّيّة تساعده لينمو بالقامة والفكر، ويصبحَ إنسانًا مسؤولًا في مجتمعه؛ مؤكّدًا على أهمّيّة توجيه الطفل بشكلٍ صحيح إن أردنا الوصول إلى مجتمع سليم لا يغرق في الأزمات؛ مشيرًا إلى الأسباب التي تجعل الطفل في مجتمعنا يتأخّر عن الرّكب... وقد يكون ابتعاد الطفل العربي عن القراءة من أهمّ العقبات التي يتوقّف عندها.
حين يحدّثك القسطاوي عن أهمّيّة تنشئة الطفل والعناية بتطوّره النفسي والذهني، تدرك مدى شغفه واندفاعه وإيمانه بضرورة الاهتمام بالطفل إذا أردنا التوُّصل إلى مجتمع سليم ينعم بالاستقرار، لا سيّما أنّ الطفل هو رجل المستقبل، وكلّ ما ينطبع في ذهنه ويتربّى عليه لا بدّ سينعكس، متى كبرَ، على مجتمعه. لذا يسعى القسطاوي باستمرار لنشر التوعية، لا سيّما توعية الأهل الذين يقع على عاتقهم الحفاظ على صحّة طفلهم النفسيّة، وذلك من خلال حلقات برنامجه التي أشرنا إليها، والتي يستقبل خلالها أحيانًا شخصيّات عملت وتعمل من أجل دعم الطفل وتقديم الأفضل له، لا سيّما من خلال النشاطات الثقافيّة. ولا يقتصر اهتمامه بالطفل على البرامج التي يعدّها والأقاصيص التي يؤلفها وينشرها فحسب، وإنّما أيضًا بتلبيته الدعوات الموجّهة إليه للمشاركة في المؤتمرات التي تقيمها الدول ذات العضويّة في الألكسو، والتي تتناول شؤون الطفل بشكل مباشر أو غير مباشر، متنقّلا بين لبنان وتونس والمغرب... علمًا أنّه يحمل في جعبته مشروعًا جديدًا لا يخلو من الإبداع بفكرته ونمطه، وقد خصّ به الطفل اللبناني، وهو ما زال يعمل عليه، وسيعلن عنه في حينه. الجدير بالذكر أن أعمال القسطاوي تُرجمت إلى عدّة لغات، وأُدرجت في المناهج المدرسيّة، ونال العديد من الجوائز، آخرها جائزة "عميد الأدب العربي" عن القصّة القصيرة. كما عُيِّنَ عضوًا في اللجنة الإعلاميّة في المجلس الأعلى للطفولة في لبنان.
بالعودة الى إصدارات القسطاوي، أشار في حديث لي معه إلى أنّه لا يسبح مع التيّار، بمعنى أنّه لا يكرّر الأقاصيص نفسها التي درجنا عليها، وإنّما يستقي أقاصيصه من واقع العصر المعاش؛ ونأخذ مثالًا على ذلك قصّتة المعنونة "السلاحف تنظِّف الشاطئ"، الصادرة عام 2021 ضمن "سلسلة أطفالنا"، عن وزارة الثقافة - الهيئة العامة السوريّة للكتاب - مديريّة منشورات الأطفال. زيّنت الكتاب رسومات محمد مارديني الجذّابة التي تعكس أجواء أعماق البحر الهادئة، بلونها الأزرق، وبما يحويه العالم المائي من جمالات، مع التركيز على السلاحف التي جعلها القسطاوي أبطال قصّته، لينقل من خلالها رسالة هادفة توعّي الصغار على ضرورة الحفاظ على الشاطئ والبحر نظيفَيْن، وعدم تلويثهما، لضمان استمرار وجود هذه الأنواع البحريّة التي يهدّدها بالانقراض إهمال بعض الناس وعدم مسؤوليّتهم، والاستمتاع بما تغدق علينا الطبيعة من جمالات.
مَن يطّلع على هذه القصّة يلاحظ أنّ صفحاتها لا تتجاوز العشرين صفحة، جاءت كلّها بالألوان، وقد خُصِّص نصفُها تقريبًا لعرض صور تمثّل مضمون النصّ أو القصّة التي يقرأها الطفل أو يسمعها من أحد والدَيْه وهو يقصّها عليه، متأمّلًا في الصور التي تساعده على تخيّل الحدث كما لو أنّه يحصل بالفعل أمام ناظرَيْه، وما عليه سوى تصوّر حركات وتصرّفات الشخصيّات الماثلة أمامه في الصور، وهو أمر يساعده على حفظ تفاصيل القصّة والتعلُّم منها، فينطبع المشهد في ذاكرته ويحفّزه للتصرُّف بالشكل الأمثل حين يكون في موقف مشابه.
امتاز أسلوب القسطاوي في هذه القصّة بالبساطة وعدم التعقيد، مستخدمًا عبارات سهلة تحاكي ذهن الطفل ولا تتخطّى فهمه أو قدرته على الاستيعاب، بحيث يجد نفسه غارقًا في تفاصيل القصّة بانسيابيّة. يركّز القسطاوي في سرده، بالدرجة الأولى، على الألوان (السلاحف والحشائش الخضر، زرقة المياه، الرمال الذهبية...) مضيفًا إليها الشخصيّات التي يريد أن يعرّف الطفل بها، مستعينًا بالرسومات التي تمثّلها، ممّا يسهّل على الطفل، أو مَن يقرأ له القصّة، تحديدَ أشكال الحيوانات أو الأشياء التي يتناهى اسمها إلى مسمعه؛ كما يزوّد الطفل بمعلومات عامّة حول كيفيّة توالد السلاحف، مستخدمًا الحوار في ما بينها لتقريب الصورة إلى ذهن الطفل، وبثّ الحيويّة والإثارة في القصّة، متجنّبًا التلقين المباشر أو أسلوب الوعظ؛ فقد ترك في هذه القصّة مسؤوليّة تنظيف الشاطئ على عاتق السلاحف، ليتعلّم الطفل من خلال سلوكها ما عليه فعله، ويفهم ما يتحتّم عليه تجاه البيئة، مشيرًا بشكلٍ غير مباشر إلى ضرورة التحرّك بشكل منظّم، ووضع خطّة عمل محكمة، للنجاح في تحقيق النتائج المرجوة من عمليّة تنظيف الشاطئ (الخروج الى الشاطئ قبل حضور الناس إليه؛ تحديد ما عليهم رفعه من مخلّفات).
إنّ عالمنا العربي اليوم بحاجة ماسّة إلى مَن يهتمّ بواقع الطفولة، ويرفع الصوت مصوِّبًا المسار، قبل أن نخسر ما بقي لنا من أملٍ في جيلٍ جديد يبني مجتمعًا منظَّمًا ومستقرًّا؛ لذا لا يسعنا إلّا أن نشدّ على يد المدير العام للمنظمة العربيّة للتربيّة والثقافة والعلوم د. محمد ولد أعمر، الذي امتاز ببُعد الرؤية، فمنح الطفولة الاهتمام الذي تستحقّه، وعرف كيف يختار الرجل المناسب للمكان المناسب؛ فنسأل الله التوفيق لمدير كرسي الألكسو إيهاب القسطاوي الذي كرّس نفسه لدعم الطفولة وإنقاذها؛ حسبه أنّه يدافع عن حقوق الطفل ويرفع الصوت نيابة عنه في كلّ مناسبة، وقد كان آخر ما أعلنه على صفحته في # اليوم_العالمي_لمكافحة_عمل_الأطفال، قوله: ”إنّ عمالة الأطفال، ولا سيّما أسوأ أشكالها، تحرمهم من طفولتهم وتعليمهم. كما أنّها تزيد من مخاطر تعرّضهم للأخطارالجسيمة والأمراض والاستغلال.“