العصيان المدني - نظرة قانونية

سليم جريصاتي*ان ما حصل في الايام الاخيرة، قبل العودة الرصينة عن الخطأ في تعديل قرار مجلس الوزراء الذي تحدد بموجبه التوقيت الصيفي، بمذكرة صادرة عن الامانة العامة لمجلس الوزراء بموافقة شفهية واستثنائية من رئيس حكومة تصريف الاعمال، انما حملني على نشر هذه الدراسة عن العصيان المدني، الذي ادى الى استتباب الامور بسرعة قياسية، على عكس ما كان سوف يحصل لو تمّ اللجوء الى مجلس شورى الدولة وقضاء العجلة فيه.أولا – ان العصيان المدني Désobéissance civile هو كل فعل امتناع ارادي وجماعي ومدني وعلني وسلمي، اي غير مسلح، عن التقيد بالقوانين والانظمة على انواعها في دولة ما لممارسة الضغط عليها في شأن عام. واول من استعمل هذه العبارة هو الكاتب الاميركي هنري ثورو Henry Thoreau عام 1849 اثر امتناعه عن تسديد ضريبة فرضتها الدولة الاميركية على المواطنين لتمويل الحرب ضد المكسيك. وكان هذا الكاتب من اتباع الفيلسوف الاميركي امرسون Emerson الذي انشأ المذهب المثالي المعروف بما يسمى Le transcendantalisme. وكان سبق ان تطرق لقرون خلت الكاتب الفرنسي اتيان دولا بوييسيه Étienne de la Boétie في معرض مقاربته للاستبداد في مؤلفه Discours de la servitude volontaire (1576)، الى ما يشبه العصيان المدني، من دون ملامسة المفهوم الذي ارساه لاحقا الاميركي ثورو.اما ابرز من اعتمد العصيان المدني بالمفهوم اعلاه فهو Gandhi الذي توسله تحقيقا لاستقلال الهند، فاستجاب اتباعه دعوته تلك عن طريق تطوير ممارستهم في سبيل هذه الغاية من عنفية الى لاعنفية في تمرس ديموقراطي نادر في العالم.ولا بد من ان نذكر ايضا القس الاميركي مارتن لوثر كينغ الذي قاد تظاهرات سلمية في الولايات المتحدة اعتبارا من عام 1955 ضد التمييز العنصري الذي كان يستهدف الاميركيين السود.وحديثا، يمارس معارضو العولمة والنشطاء ضدّ التلوث البيئي والاحتباس الحراري نوعا من انواع العصيان المدني المتنقل.ومن هذه التجارب التاريخية، الفردية والجماعية، تطور مفهوم العصيان السلمي.هذا، وفي القانون المقارن، ثمة قرار يتيم من المجلس الدستوري الفرنسي صدر سنة 1982 واعتبر ان "مقاومة الظلم هي بمصاف الحريات الدستورية".ثانيا – من جهة مقاربة القوانين الوضعية العادية لهذا المفهوم، فان القانون اللبناني، كسواه من الانظمة القانونية، انما يقاربه سلبا – وليس ايجابا – عن طريق حظر بعض الافعال التي قد تندرج ضمن العصيان المدني ومعاقبتها بموجب نصوص عامة ومتفرقة، نذكر منها على سبيل المثال ما يأتي:1 – القانون الصادر بالقرار رقم 115/ل.ر. الصادر في 12 آب 1932 (قمع المخالفات التي من شأنها الاخلال بالامن العام في لبنان).2 – قانون العقوبات اللبناني، ولا سيما في مواده 329 و330 (في التعدي على الحقوق والواجبات المدنية) و340 الى 344 ضمنا...