من نورمبرغ إلى جنيف فروما وغزّة مسار التجويع المحلّل والمحرّم

جبران صوفان سفير لبنان لدى الأمم المتحدة سابقا تغمرني السكينة عندما أجول في قرى جبل لبنان، فأخاله شرفة الله على الكون، استراح فيها من أعماله. ولكنها لحظات تأمّل عابرة لإلتقاط الأنفاس اقتضاها تلاشي الأمل في منطقة منكوبة، فيها الحقوق مهضومة والمقاييس معكوسة وتناقضاتها علّة أنقاضها. فبيروت جوهرة وجلجلة والعقل فيها زينة أو زلّة والطاقات الإدراكية هامشية أو مهمّشة، معطّلة أو عاطلة أو في عطلة، والرذيلة أزاحت الفضيلة وقلّما سَلّم أحد بهول المصيبة. تعيش المنطقة ولبنان مرحلة تحوّلات مرتبطة بصفائح جيو- سياسية وعسكرية تحرّكت بقوّة في غزة في وقت يعجز لبنان عن التحّكم المروري بظروف يومه أو ساعته. بهذه الخلفية الإجتماعية والإقتصادية يساند لبنان غزة، فيما كيانه وإنسانه وديموغرافيته وجغرافيته على المحك. وأجد الترابط مشابهاً بصورة تعبيريّة للزواج الذي يستدعي الاعتدال صوناً لطرفيه كما جاء في كلام حكيم لجبران خليل جبران في كتاب "النبي" منه :" ولدتما معاً وستظلان معاً حتى في سكون تذكارات الله، ولكن فليكن بين وجودكم معاً فسحات تفصلكم عن بعض...أحِبّوا بعضكم بعضاً ولكن حذار من أن تجعلوا الحب قيداً ،وقفوا معاً من دون أن يلتصق واحدكم بالآخر". وحتى يحين الفرج، غزّة اليوم هي ساحة لاستخدام أنواع الأسلحة الفتاكة والممارسات الساديّة وحقل اختبار القانون الدولي، مدى تماهيه مع القوة الإسرائيلية الغاشمة أو قدرته على التحرّر منها. وبالرغم من تنوّع المراجع القانونية ذات الصلة التي تحظّر وتدين التعدّي والإعتداء على المدنيين في النزاعات الدولية أو الداخلية المسلحة، فإن نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية (1998) هو الاكثر تقدّماً لناحية الأخذ في الإعتبار "ضحايا الفظائع" وتحديد الجرائم "الأشد خطورة" (المادة 55 منه) والعقوبات وأقصاها "السجن المؤبد ..." والمصادرات(المادة 77).وللإفصاح، إن اختصاص المحكمة يشمل ما يلي: " – جريمة الإبادة الجماعية- الجرائم ضد الإنسانية- جرائم الحرب- جريمة العدوان" . في غزة وحدها، تجمّعت...