النهار

الرسول بولس من أوائل الداعين للحفاظ على حقوق الطفل
المصدر: "النهار"
الرسول بولس من أوائل الداعين للحفاظ على حقوق الطفل
الرسول بولس.
A+   A-
القس سهيل سعود
      
 
في عام 1954، تمّ الإعلان عن "يوم الطفل العالمي"، باعتباره مناسبة عالمية يُحتفل بها في كل عام، لتعزيز الترابط الدولي وإذكاء الوعي بين أطفال العالم وتحسين رفاههم. ثمّ اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة تاريخ 20 تشرين الثاني عام 1989، للاحتفاء باليوم العالمي للطفولة، ودعت العالم الى الحفاظ على حقوق الطفل. وهكذا، أصبح المشرّعون والتربويون، يعملون على توعية الناس على أهمية حقوق الأطفال، لكي يجري التعامل معهم بأسلوب يحترم كرامتهم الانسانية ويشجب استغلالهم وتعنيفهم، اذ نشاهد على أجهزة التلفزة من وقت الى آخر، الكثير من القصص والمشاهد التي تؤذي العيون والمشاعر، مشاهد عنفية مشجوبة يسيء فيها الأهل التعامل مع أولادهم، فيتصرّفون معهم بوحشية بالغة.

إن ما يجهله الكثيرون، هو أن الرسول بولس كان من السبّاقين، بل من أوائل الداعين قولاً وعملاً، للحفاظ على حقوق الطفل، وذلك قبل أكثر من ألفي عام. حق الطفل في الاحترام، وحقه في التربية الصحيحة، وحقه في الحياة الكريمة، من المفاهيم التربوية الأساسية التي دعا الرسول بولس أهل كنيسة كولوسي إلى اتباعها في تربيتهم لأولادهم، التربية التي تجنّب أولادهم الفشل في الحياة. خاطب الأهل قائلاً: "لا تغيظوا أولادكم لئلّا يفشلوا" (كولوسي 3: 21). وبقوله هذا دعاهم الى اعتماد مفهوم تربوي عصري ومتقدّم. كانت تلك الدعوة متقدّمة جداً، في وقت كان يسمح فيه قانون المجتمع بإساءة معاملة الأولاد. فالقانون الروماني الذي عاش الرسول بولس في ظله، أعطى الآباء سلطة مطلقة للمغالاة في إساءة التعامل مع أولادهم، وصلت الى حدّ سجنهم والتخلص منهم، ولا سيما إن كان أولادهم بنات. في رسالة تعود الى القرن الاول، كتب رجل روماني يدعى إيلاريون الى زوجته الحبلى أليس، قائلاً لها: "إن رُزقت بطفل فليحيَ إن كان صبيّاً، أمّا إن كانت بنتاً، فألقي بها في الخارج. كيف يمكننى أن أنساك". لكن الرسول بولس دعا الى رفض حتى القانون الذي يسمح بإساءة معاملة الأولاد، لأن مثل هذه القوانين لا تحترم إنسانيتهم وحقهم في الحياة الكريمة. دعا بولس الى رفض سلطة الآباء المطلقة، التي لا تقيدّها قيود في طريقة التعامل مع أولادهم. بالرغم من أن الآباء والأمهات، هم علّة وجود الأولاد في الحياة، لا تمنحهم هذه الحقيقة الحرية لإساءة التعامل معهم، ومعاملتهم بقسوة بالغة.

يقول مؤسس مدرسة علم النفس التحليلي سيغموند فرويد، إن "الطفل هو أبو الإنسان". وهذا القول يشير الى أهمية السنين الأولى في حياة أطفالنا، لكونها تحدّد نوعية شخصيتهم ومستقبلهم. فطريقة تعاملنا مع أولادنا، ستؤثّر على نوعية شخصيتهم ومستقبلهم، إما سلباً أو إيجاباً.

دعا الرسول بولس الأهل منذ القديم، ويدعو أهالينا اليوم، الى عدم إغاظة أولادنا، قائلاً "لا تغيظوا أولادكم لئلّا يفشلوا". تعني كلمة "الغيظ"، الغضب الشديد الذي يتأتى من سوء المعاملة والظلم وعدم الرحمة، لأن هذه المعاملة الرديئة تؤدي الى فشلهم في الحياة. ومن يريد لأولاده أن يفشلوا في حياتهم؟ لذا يحثّنا الرسول بولس، على الحكمة والحرص في أسلوب التعامل مع أولادنا، والى إدراك حقيقة احتياجاتهم، والمراحل النفسية التي يمرّون بها من خلال صرف أوقات نوعية معهم. يدعونا الرسول بولس الى اعتماد أسلوب تربية، وأسلوب تخاطب وتعامل لا يغيظ أولادنا ولا يرعبهم ولا يحبطهم، لئلا يفقدوا الثقة بأنفسهم وبأهلهم ويفشلوا في الحياة. قال جبران خليل جبران: "أولادكم ليسوا لكم. أولادكم أبناء الحياة. والحياة لا تقيم في منازل الأهل".

لخّص أحد المربّين الأسلوب الذي يجب على الأهل اتّباعه في تربيتهم لأولادهم، بأربع كلمات، تبدأ بحرف "L" باللغة الانكليزية، هي:

Love them أحبَّهم
Learn them تعلّمهم
Lead them قدهم
Leave them اتركهم

وهكذا، عندما نحب أولادنا المحبّة الصادقة، التي لا تنتظر أي استحقاق فيهم، عندما نتعلّم ما هي احتياجاتهم، ونتعرّف إلى حقيقة مشاعرهم، ونتابع مراحل نموّهم. عندما نقودهم في طريق الإيمان ونصلي لأجلهم ومعهم، ونصحّح مسارهم نحو الصواب، فإننا عندها، نستطيع أن نتركهم بين يدَي الله الأمينتين، ليختاروا نوعية حياتهم ويشقّوا مستقبلهم في بحر هذه الحياة المليئة بالتحديات.

احفظ يا ربّ أولادنا بمراحمك الواسعة، وأعطنا النعمة والمحبّة لنربّيهم تحت ظلّ جناحيك.

الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium