النهار

تصوّر حلّاً للأزمة... وإلاّ
امرأة تجلس على حجر أمام حائط كتب غليه "ثورة" (أرشيفية - حسام شبارو).
A+   A-
بسام ضو


تّدرِّس كليات العلوم السياسية مفهوم ومعنى الدولة السيّدة، وغالبًا ما تكون مجموعة من الأنظمة والمبادىء التي تلتزمها كل دولة متحضرة في علاقاتها الداخلية والخارجية هي المحور الأساس. ونُشدِّد على أنّ عبارة "متحضرّة" وردت في الفقرة/ج/ من المادة /38/ من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية . تُعدّ الدولة السيّدة الركيزة الأساسية لأي نظام ومحور اهتمامه، فمبادىء ومواثيق القانون قائمة للحفاظ على الدولة الوطنيّة في إطار من السلميّة والتعاون الداخلي والخارجي المشترك الذي يضمن رُقِيّ الإنسان ويوفّر له حياة كريمة.

الديموقراطية ليست الإستبداد أو الديكتاتورية حيث يحكُم رجل واحد أو حزب واحد، وهي ليست حكم الأقلّية حيث تحكم شريحة واحدة من المجتمع بواسطة السطو. ولكي يتم فهم الديموقراطية بالشكل السليم والصحيح يجب ألاّ تكون الديموقراطية حكم الغالبية إذا كان هذا يعني عمليًا إهمال مصالح بعض الأقليات. إنّ الديموقراطية تعني الحكومة بالنيابة عن الناس وفقًا لإرادتهم الحُرّة.

في لبنان يفتقد النظام السياسي مفهوم الدولة السيّدة، كما يفتقد مفهوم الديموقراطية، فالإستقلالية غير موجودة في ممارسة العمل السياسي في لبنان، والشعب غير قادر على ممارسة حريته طبيعيًا. كما أنّ المساواة في التأثير على مسار قرارات معيّنة معدومة لا بل الأمر مستحيل. هذه المبادىء مهملة، وياللأسف، بشكل صارم، وهناك شعور بان من الصعب أن يكون لدى اللبنانيين فرصة أكبر مثل أي مواطن آخر للتعبير عن آرائهم وفقًا لقواعد علم السياسة.

لقد عاش الشعب اللبناني أجواءً مزيّفة من الديموقراطية، وأمل كثيرون أن تحمل الإنتخابات معها تغييرًا سياسيًا ما في مجرى الحياة السياسية، حيث الوطن يمُّر بأزمات سياسية – أمنية – إقتصادية – مالية – إجتماعية خانقة، وكُثر من اللبنانيين أملوا أن تكسر ما عُرِفَ بـ "لوائح المعارضة" إحتكار القوى السياسية السلطة وتجييرها لمصالحهم من أجل إحداث تغيير منشود في الحياة السياسية اللبنانية. نتيجة الإنتخابات كانت مُخيِّبة للآمال. موضوعيًا، واستنادًا الى الإحصاء الصادر عن وزارة الداخلية، بلغت نسبة المقاطعة ما يُناهز الـ 59%، وهذه نسبة خطيرة تدُّلْ على يأس الرأي العام من الطبقة السياسية وعن عدم اقتناعه بأنّ هناك فسحة أمل في التغيير . بصريح العبارة ونسبةً لأحد الباحثين في الشؤون الإنتخابية، كان هناك ما يُعرف بـ"التصويت الإنتقامي" وهدفه معاقبة الطبقة السياسية الحالية التي أهدرت المال العام وساهمت في الإنهيار الإقتصادي والمالي وحتى السياسي، إضافةً إلى العجز الفاضح والتستر في طمس حقيقة تفجير مرفأ بيروت وما تلاه من لفلفة ملفات واعتقالات تعسفية.
 
إننا نعيش بعد الإنتخابات الأخيرة مرحلة ترقب وحذر، والوطن على خط الزلازل التي تحيط به من كل الحدود، وهو يدفع ثمنًا غاليًا في صراع المحاور وفي ظل تقلبات سياسية إقليمية – دولية، وفي ظل انقسام عمودي، وفي ظل الإطباق على ما تبقى من نظام ديموقراطي ... وهذا الوضع يتكرّس يومًا بعد يوم، كما يُعاني لبنان شعبًا ومؤسسات رسمية من تراجع الثقة الدولية والعربية به، وفعليًا بات الشعب اللبناني وبمؤسساته الشرعية موضع شك وعبء على المجتمعين العربي والدولي. كل يوم تتصاعد عوامل الإنفجار السياسي الذي ستليه إنفجارات عدة على المستويات الأمنية والإقتصادية والمالية، والمؤسف في هذه المرحلة ان هناك غيابا لأي حل في الأفق، لذلك بات من الضروري إيجاد تصوّر لحل الأزمة اللبنانية عبر وضع منظومة سياسية من أولى مهماتها إستعادة الدولة من خاطفيها عبر طرح مبدأ الحياد من خلال مؤتمر دولي يعيد التوازن إلى الدولة... وللبحث صلة.


[email protected]

اقرأ في النهار Premium