سيفاك كندرجيان*
شقّ برنامج البكالوريا الدوليّة الذي تأسّس في جنيف العام 1968 طريقَه بسرعة إلى أكثر من 5700 مدرسة في 160 دولة حول العالم، وبات مُعتمداً في بلدانٍ لها نظامُها الوطني الخاص للشهادة الرسميّة. فلماذا هذا التهافت؟
للبرنامج نقاطُ قوّةٍ قد لا تتوافر في برامج أخرى. فهو يعتمد منهجاً جاهزاً، وإطاراً للعمل موجوداً ممّا يُسهِّل الأمر على المدرسة. كذلك فإنّ طريقةَ تدريسِه تعتمد بشكلٍ كبير على تنمية مهارات أساسيّة عند التلميذ من مثل مهارات التواصل والعمل الفريقي والبحث العلمي. ولأنّ النِّظام مُوحَّدٌ فهو يُسهِّل انتقال التلاميذ من بلدٍ إلى آخر أو من مدرسة إلى أُخرى. كذلك فإنّ جدّية البرنامج سهّلَتْ توثيق العلاقة بين مؤسّسة البكالوريا الدّولية IBO والجامعات العالميّة حيثُ اعترف معظمُها ببرامج الـIB. ففي الولايات المتّحدة مثلاً، يُقبَل تلميذ الـIB في صف الصوفومور وليس في صف الفرشمن كما يحصل للتلميذ المتخرّج من برنامج الهايسكول الأميركي.
لكن لبرامج البكالوريا الدوليّة على تنوّعها نِقاط ضعفٍ. في البُعد الأكاديمي، هناك خمسة مواقع ضعفٍ على الأقل. أوّلاً، انقطاع التسلسل بين المراحل. فالتلميذ المُنتَقِل من المرحلة الأولى الـ PYPإلى المرحلة الثّانية الـMYP يشعر بعدم السلاسة في البرنامج، ويشعر أيضاً بالفجوة عند الانتقال من الـMYP إلى DP أي المرحلة النهائيّة. فالمدارس قد تدرّس مناهِج أكاديميّة مُختلفة قبل الـDP، الأمر الذي يجعل التلميذ غير جاهزٍ لإكمال مناهج الـIB في الصُّفوف اللّاحقة. ثانياً، نوعيّة المدرّسين في برامج الـIB. فإذا تمَّ اختيار مدرِّسين غير مؤهَّلين لصعوبةِ توفُّر مدرِّسين مُلِمّين بمناهج الـIB، سيؤثّر ذلك سلباً على جودة التّعليم. المدارس تجهدُ كثيراً، ومن دون جدوى في بعض المرّات، لإيجاد معلّمين ومعلّمات مؤهّلين. لذا من المفروض أن تلتزم مؤسّسة الـIBO الإشراف بشكلٍ كافٍ على تأهيل مدرّسين متخصّصين في مناهج الـIB. ثالثاً، المتطلّبات الضاغطة لبرامج الـIB على التلميذ وخصوصا في المرحلة الأخيرة، حيث يجد التلميذ ذو الأداء المتوسّط نفسه أقلَّ حظاً لأنّه اختار البكالوريا الدوليّة، ممّا يخلُق عنده نوعاً من الإحباط بسبب صعوبة البرامج. رابعاً، تُقدّم البكالوريا الدوليّة خَيارات محدودة لمواد تَدريس قد لا تتوافق مع الأهداف المهنيّة لجميع التلاميذ، فتُقِّيد خياراتهم وتحدّ من فرصهم. خامساً، تتضمن برامج الـIB تقييمات داخليّة Assessments عبر اختبارات ودورات دراسيّة معقّدة وصعبة. وقد يجد التلميذ صعوبة في تحقيق التوازن بين عبء العمل الأكاديمي اليومي والتّحضير بشكلٍ فعّال لهذه الامتحانات والتّقييمات، ممّا قد يحرُمه من القيام بنشاطاتٍ لاصفّية من شأنها أن تُطوّر مهاراته الشّخصية.
هناك تحدٍّ ثقافي صعب خصوصاً في هذه المنطقة من العالم، نابع من أنّ البكالوريا الدّولية تهدف إلى توحيد البرامج في جميع الدّول المعتمِدة للبرنامج، في إطارِ عولمةٍ قد تحمل في طيّاتها مطبّات، ذلك لأنَّ تعريف العولمة قد يختلف كليّاً بين دولة وأُخرى وبين حضارة وأُخرى. لم تتوصَّل الدّول إلى توحيد المفاهيم في مواضيع عدّة كموضوع الـLGBTQ وغيره من المواضيع السّاخنة أو الحسّاسة، ممّا يجعل تدريس البكالوريا الدوليّة في مناطق معيّنة دقيقاً.
في النهاية، برامج الـIB هي برامج منظَّمة وهادِفة، وإن كانت تحتاج إلى بعض التّقييم والمتابعة في بعض نقاط الضّعف عندها. الهدف من أيِّ برنامجٍ تعليمي هو مساعدة التلميذ في تحقيق طموحِه وأهدافه. لكن عندما يتوافر البرنامج، مهما كان نوعُه، للتلاميذ المميّزين فقط، يشكّل عندئذٍ نظاماً تعليميّاً غير متكامل. ولعلّي أريدُ أن أستنتج أنّ النِّظام التعليمي الكامل المتكامل الذي يناسبُ كلّ التلاميذ في كلّ الثقافات لا يزال شبهَ مفقودٍ في عالمنا.
*المدير التعليمي لمدارس مجموعة "سما" – دولة الكويت