استأثرت حادثة مقتل 3 إسرائيليين بالرصاص على يد أردني أمس الأحد، باهتمام واسع، وسط صدمة إسرائيلية واحتفاء شعبي في أوساط الأردنيين بالحادثة التي وقعت على الجانب الخاضع لسيطرة إسرائيل من جسر الملك حسين الذي يعرف بمعبر اللنبي (الكرامة).
وضجت منصات التواصل الاجتماعي في المملكة بمنشورات تحتفي بالحادثة ومنفّذها الجندي السابق في الجيش الأردني ماهر الجازي المولود عام 1985، في حين قام العديد من الأردنيين بتوزيع حلوى في الشوارع.
وتعدّ عشيرة الجازي واحدة من أبرز عشائر قبيلة الحويطات، ويعيش غالبية أبنائها في محافظة معان جنوب المملكة. وتمكّن الجازي من إدخال السلاح في الشاحنة التي كان يقودها وإطلاق النار قبل أن يُقتل.
ورغم أنّ العلاقات الأردنية – الإسرائيلية، شهدت منذ الحرب على غزة توترات غير مسبوقة وصلت إلى حد القطيعة، إلا أن الجانبين، وبحرص من حليفتهما الولايات المتحدة، يتجنبان الانزلاق إلى نقطة اللاعودة أو الوصول إلى تصعيد يخرج عن المألوف، لا سيما أنهما وقعا على معاهدة سلام عام 1994.
ومنذ معاهدة وادي عربة، شهدت العلاقات الثنائية العديد من التوترات على المستويين الأمني والسياسي، منها محاولة إسرائيل اغتيال القيادي في حركة "حماس" خالد مشعل في عمّان، ومقتل أردنيين اثنين من موظفي السفارة الإسرائيلية، وكذلك مقتل قاض أردني برصاص إسرائيلي عند جسر اللنبي، وصولاً إلى تداعيات حرب غزة، إذ استدعت المملكة سفيرها من تل أبيب وأبلغتها عدم عودة سفيرها إلى عمان، في الوقت الذي يتخذ فيه الأردن مواقف حادة تجاه ما تفعله إسرائيل، سواء في غزة أو في الضفة.
"الغضب الشعبي الأردني"
ووفق الوزير الأردني الأسبق الدكتور فيصل الرفوع، فإنّ "العملية تأتي في سياق الغضب الشعبي الأردني الواسع تجاه الاحتلال الإسرائيلي، والذي تضاعف على نحو كبير جداً في أعقاب العدوان الهمجي على قطاع غزة، ويتجلى ذلك حالياً بردود الفعل التي تصف العملية بالبطولية وتحتفي بها بفرح كبير، ذلك أن حجم الإجرام الإسرائيلي في غزة يفوق القدرة على احتماله".
ويضيف الرفوع لـ"النهار العربي" أن "الأردن الرسمي ليس من دعاة التصعيد أو العنف والحروب ونزف الدماء في أي مكان في العالم، ويحاول دائماً الدفع باتجاه تحقيق الأمن والسلام في المنطقة، وحذّر مراراً وتكراراً من تداعيات الممارسات الإسرائيلية، إلا أن إسرائيل تصر على إدخال الجميع في دوامة الصراعات سعياً إلى أوهامها وأطماعها الاحتلالية التوسعية".
ويرى الرفوع أن العملية "تعد ضربة جديدة للعلاقات الأردنية – الإسرائيلية على المستوى الرسمي، إلا أن ذلك قد لا يعني شيئاً وسط مسار متدهور من العلاقات التي لم يعد الأردن معنياً بها مع تواصل السياسات الإسرائيلية القائمة على العنف والتدمير".
"الخاصرة الرخوة للاحتلال"
ويتفق أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة اليرموك الأردنية الدكتور محمد خير الجروان مع الوزير الرفوع، بأنّ "العملية ترتبط بلا شك بالحرب الدائرة في غزة واستمرار المجازر اليومية ضد المدنيين، وعمليات التضييق والقتل الممنهج في الضفة الغربية، وكل ذلك في ضوء عدم وجود أي أفق للحل ووقف إطلاق النار".
ويضيف الجروان لـ"النهار العربي" أن "الأردن قاد خلال الأشهر السابقة حركة دبلوماسية مكثفة عبر مختلف الوسائل والقنوات لإقناع الاحتلال بعدم جدوى الحرب وسياسات الحل الأحادي لتصفية القضية الفلسطينية، وبأن لا سلام ولا استقرار إلا بحل عادل وشامل، كما بذل جهوداً كبيرة للوفاء بالتزاماته وتعهداته أمام المجتمع الدولي رغم تدهور علاقاته مع الاحتلال ما قبل هذه العملية".
ويشير إلى أن "حكومة الاحتلال تدرك أنها تتحمل المسؤولية كاملة ليس فقط عن العملية، بل عن انفجار مقبل ومتوقع داخل الضفة، نتيجة تعنتها وتمسكها بنهجها العدواني ضد كل ما هو فلسطيني في الأراضي المحتلة".
ورداً على سؤال حول التداعيات المتوقعة، يقول الجروان: "بالتأكيد ستكون للعملية آثار على علاقات الأردن والاحتلال، خصوصاً أن رد فعل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حمّل العملية أبعاداً إقليمية واتهم إيران وحلفاءها في المنطقة بالوقوف وراءها"، وهو ما يحمل، وفق الجروان، "دلالات ورسائل متعددة، أهمها أن الحدود مع الأردن هي الخاصرة الرخوة للاحتلال، وقد يعيد ذلك نوعين من السياسات؛ وهما الإغلاقات الحدودية وإعاقة ممنهجة للحركة بين الأردن والضفة الغربية، وسياسة الجدران الأمنية بوصفها إحدى أبرز بؤر التوتر للأردن مع الاحتلال، فضلاً عن السياسات الانتقامية التي يمكن أن ينفذها في القطاع والضفة في الفترة المقبلة".