بعد أربعة أشهر على وقوع ولاية الجزيرة في قبضة قوات الدعم السريع، بدأ الجيش السوداني عملية عسكرية لاستعادة المنطقة المهمة اقتصادياً وزراعياً، وفي الوقت نفسه يتعرض سكانها لانتهاكات شديدة، أثارت استياءً محلياً ودولياً، فيما يقول خبراء أن المعركة ستسير بإيقاع مغاير لباقي الولايات في البلاد بحكم الموقع الجغرافي وطبيعة المنطقة.
بدء التقدم الميداني
وذكرت مصادر ميدانية لـ"النهار العربي" أن وحدات من الجيش قد بدأت مع ساعات فجر الخميس هجوماً على عدد من المواقع في ولاية الجزيرة وسط السودان. وأشارت إلى تقدم من جهتي سنار جنوباً والفاو في القضارف شرقاً، ليتسارع وقع المواجهات بشكل تدريجي خلال الساعات الماضية. وتحدثت المصادر عن سيطرة الجيش على عدد من البلدات والقرى من محلية أم القرى، والامتداد إلى محيط بلدة الشبارقة التي تبعد عن ود مدني عاصمة الولاية قرابة الـ35 كيلومتراً، بالتزامن مع تحليق للطيران الحربي بشكل متواصل خلال ساعات الليل.
وبالتزامن تسارعت الحشود العسكرية باتجاه محيط الولاية، فخلال الأيام الماضية، شهدت ولاية القضارف المجاورة تخريج مقاتلين لجيش تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي، حاكم إقليم دارفور، بالتزامن مع تحريك قوات لحركة العدل والمساواة وأخرى تتبع للحركة الشعبية لتحرير السودان شمال من النيل الأزرق إلى تخوم الجزيرة.
وبدا لافتاً كذلك، وبالتزامن مع المواجهات، اشتداد الغارات الجوية في الخرطوم بحري، وتحديداً عند مصفاة الجيلي النفطية في أقصى الشمال، وهو ما فسرته المصادر بقطع إمداد الوقود، ذلك أن المحطة النفطية تعتبر النقطة الأساسية للتزود بالوقود، بحسب المصادر.
أهمية زراعية ومحطة للنازحين من الخرطوم
تقع ولاية الجزيرة جنوب الخرطوم، وتعتبر بمثابة نقطة الوسط في السودان، إذ تمر عبرها غالبية الطرق البرية من الشرق إلى ولايات النيل الأبيض وشمال كردفان، على مساحة تقدر بـ 25 ألف كيلومتر مربع، وبعدد سكان يقارب الخمسة ملايين نسمة، وتعد الثانية بالكثافة السكانية بعد العاصمة. وبفضل مرور نهر النيل الأزرق من جهة والأمطار الموسمية من جهة أخرى، فقد انتشرت العديد من المشاريع الزراعية الضخمة التي كانت تؤمن الإمدادات الغذائية وصولاً لعمليات الشحن والتصدير. كما شكلت محطة النزوح الأولى بالنسبة لسكان الخرطوم خلال الشهور الأولى للحرب. بيد أن سيطرة الدعم السريع منتصف كانون الأول (ديسمبر) الفائت كانت بمثابة الصدمة، مع الأنباء التي تحدثت عن انسحاب الفرقة الأولى مشاة بصورة مفاجئة، ما أدى لتوغل عناصر الدعم وسيطرتهم على مدينة الحصاحيصا وكذلك ود مدني، فيما بقي الجيش متمركزاً في منطقة المناقل جنوب الولاية.
من مشاهد معارك ولاية الجزيرة. (أرشيف)
وأقر عسكريون في الجيش بما حدث وقتها، متوعدين بفتح تحقيق بشأن ما جرى، فيما أفاد المدنيون الفارون من الولاية بانتهاكات ترتكب بحق الأهالي، وسط انقطاع تام للاتصالات والكهرباء، وهو ما وثقته لجان محلية تحدثت عن عمليات حرق للمحاصيل ونهب للممتلكات وإعدامات ميدانية بحق أبناء العديد من القرى.
أهمية الجغرافيا في المعركة
في حديث لـ"النهار العربي"، يشرح الخبير الميداني محمد عادل خصوصية المعركة في ولاية الجزيرة بالمقارنة مع الخرطوم. فمساحة المنطقة وانتشار الجيش في الولايات القريبة يعطي أفضلية بالتحرك لسلاح الطيران. ويضيف عادل: "لا تشبه الجزيرة من الناحية الجغرافية حال العاصمة الخرطوم. فلا جسور مهمة تربط الولاية بجوارها. وباستثناء ود مدني، باقي الولاية مساحات منبسطة تجعلها مكشوفة للطيران وكذلك المسيرات، وهو يسهل تقدم قوات المشاة إلى حد كبير".
لكن عادل يستدرك أن المرحلة الأصعب تكمن بتطويق الولاية من الجهتين الشمالية والغربية. ويشرح: "الحدود الشمالية للجزيرة هي جنوب الخرطوم، وتحديداً عند جبل أولياء، حيث يؤمن الجسر رغم صغر مساحته عبور الآليات المتوسطة والمقاتلين. كما أن جانباً من مقاتلي الدعم تحركوا من الخرطوم باتجاه الجزيرة في كانون الأول، يوم سقوط ود مدني. لذلك، ستكون المعركة أكثر صعوبة مع إيجاد منطقة عزل بين الولايتين". أما الجهة الغربية، وفق الخبير، فتتطلب تعزيز الارتكازات العسكرية للجيش في ولاية النيل الأبيض ومنع أي هجوم حتى شمال كردفان.
ويربط عادل بين التقدم المرتقب وظروف الطقس التي تسمح بالتحرك ما دامت الأمطار منحبسة. فهطول المطر بالخريف يجعل التنقل بين البلدات في غاية الصعوبة بحكم الطرق الترابية وغياب الطرق المعبدة بين المناطق. ويستذكر فيضانات ضربت منطقة المناقل جنوب الولاية، حيث واجهت الهيئات المدنية والمنظمات الدولية صعوبة هائلة بإيصال المساعدات بسبب الطرق الترابية التي استحالت وحولاً بسبب الأمطار.
الحركات المسلحة... مفتاح رئيسي
يرى الناشط الميداني عبد الله محمود أن الدور الذي ستؤديه الحركات المسلحة سيرجح كفة الجيش بالإضافة لتفوقه بسلاح الطيران، ويحلل الأمر في حديثه لـ"النهار العربي" قائلاً إن "قوة الحركات المسلحة أنها بحدود عشرين ألف مقاتل لديهم خبرة القتال في دارفور وضمن المدن والقرى وكذلك في الأراضي المفتوحة، وهذه النقطة يعول عليها الجيش خاصةً أنه يتحول من الاستراتيجية الدفاعية إلى الهجومية، ولذلك لم يكن مستغرباً حضور مساعد القائد العام شمس الدين كباشي لتخريج قوات مني أركو مناوي ليدعم انضمام الحركات لصفوف الجيش كقوة ضاربة إلى جانب عناصر كتيبة البراء بن مالك".
ووفقاً لمحمود، فإن الجيش سيطلع بدوره في سلاح الطيران والعربات الثقيلة، بينما سيكون التركيز على الأرض مرتبطاً بالمشاة والمقاتلين ذوي الخبرة في القتال البري، وتحديداً كلما تم الاقتراب من ود مدني والطرق الواصلة إلى الخرطوم والجهة الغربية في النيل الأبيض، وهنا ستكون العمليات الحربية معتمدة على المشاة.