انتعش بناء أبراج الحمام خلال السنوات القليلة الماضية، وباتت مئات الأبراج تشيد كل عام. ورغم ذلك، فإن هذه الأبنية البديعة المنظر، والتي تعد من أقدم البيوت التي بناها الإنسان لتربية الحيوانات قبل آلاف السنين، مهددة بالتلاشي خلال عقود قليلة.
والسبب الرئيسي في ذلك التهديد هو تراجع أعداد بناة أبراج الحمام، فتلك المهنة وأسرارها تنتقل داخل عائلات محددة في مصر، لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة.
وبحسب آراء تاريخية فإن أبراج الحمام ظهرت في بلاد الرافدين خلال العهد السومري عام 3500 قبل الميلاد، ثم بدأت تبنى في مصر القديمة بعد عام 3100 قبل الميلاد.
التعليم من الصغر
نور الفخراني شاب في الثانية والعشرين من عمره، وهو من إحدى العائلات القليلة التي تحترف هذه المهنة منذ زمن بعيد، يقول: "في الواقع فإن مهنة بناء أبراج الحمام في طريقها للانقراض، لا ريب في ذلك، مع أن ثمة طلباً كبيراً عليها، ونبني مئات الأبراج كل عام. على سبيل المثال إحدى المبادرات الخاصة بالمرأة في الريف بنينا لها قرابة 300 برج خلال عام".
ويضيف الفخراني في حديثه لـ"النهار العربي" أن " في مصر من أولها إلى آخرها قرابة 30 متخصصاً في هذا المجال، وأسرار مهنة بناء أبراج الحمام يتم توارثها داخل العائلة من جيل إلى جيل، وبحسب معلوماتي فإنني من الجيل الخامس في عائلتي التي تحترف هذا المجال، لكنني أعتقد أن المهنة بدأت في العائلة قبل خمسة أجيال بكثير".
تعلم نور حرفة أجداده من والده وهو في عمر 11 عاماً، ويقول الشاب المصري: "لقد تعلمت هذه المهنة قبل قرابة 13 عاماً، ونعمل على تطويرها وتحديثها كي تتواكب مع العصر، وترضي أذواق زبائننا في مصر والعالم العربي".
ويعمل البنّاء الشاب في شتى محافظات مصر، ويسافر كذلك إلى خارج مصر، ويقول: "لدينا الكثير من طلبات بناء الأبراج". وعن نوعية الزبائن، يلفت إلى وجود "العديد من الفئات التي تهتم ببناء هذه الأبراج، منهم المستثمرون، والفلاحون، والأشخاص العاديون".
ويضيف الفخراني: "نبني هذه الأبراج في أراض زراعية وصحراوية، وحدائق وفنادق وفلل ومزارات سياحية، ونبنيها أيضاً كنماذج للطلبة الذين يدرسون الريف".
تطوير الأبراج
ويتابع: "لقد أدخلنا الكثير من التطويرات على الأبراج. في الماضي لم تكن ثمة رسومات أو حروف مكتوبة عليها، أما الآن فقد أضفنا تلك العناصر إليها، وغيرنا في أشكال الأبراج الخارجية، ولم نعد نعتمد على الشكل التقليدي فحسب، يمكننا تنفيذ أي شكل يطلبه العميل".
ومن التطويرات التي أدخلها نور وجيله على أبراج الحمام، الارتفاعات الكبيرة، وعن هذا يقول: "في الماضي كان أقصى ارتفاع لبرج الحمام هو 5 أمتار، أما الآن فنبني أبراجاً يصل طولها إلى 15 متراً. أيضاً كان في الماضي يستخدم الصاج لتأمين البرج من أسفل، لمنع دخول الفئران والثعابين، أما الآن فنحن نستخدم السيراميك، وهي وسيلة أمان أفضل، وشكلها أجمل".
في العصور السابقة كان البرج والعيون أو الأعشاش التي يسكنها الحمام تبنى من الطين، أما الآن فتصنع من الفخار. ويوضح الفخراني: "نصنع جراراً من الفخار، ونقوم بحرقها في الفرن، ثم نضعها في البرج، وهذا أفضل وأكثر جودة من الأعشاش المصنوعة بالطمي".
سبب آخر للتلاشي
لا إحصاءات دقيقة بعدد أبراج الحمام الموجودة في مصر حالياً، لكنها منتشرة في بعض المناطق الريفية، وكذلك في الواحات والمناطق الزراعية في صحارى مصر. كذلك لا إحصاءات موثوقة بـأعداد طيور الحمام هنا.
والحمام الذي تتم تربيته في هذه الأبراج يستخدم في الغالب للطعام. بعضه حمام منزلي أو كما يطلقون عليه "حمام بلدي"، والبعض الآخر بري يأتي من الصحارى والغيطان للعيش والتكاثر في تلك الأبراج المجهزة بمئات أو آلاف الأعشاش (العيون) المصنوعة من الفخار.
وما يجعل أبراج الحمام مشروعاً غير منتشر على نطاق واسع، هو أن الإقبال على تناول الحمام كوجبات قليل نسبيا مقارنة بالطيور الأخرى. وتشير إحصاءات الجهاز المركزي للتعبة العامة والإحصاء إلى أن مذبوحات الحمام خلال عام 2021 بلغت قرابة 39 ألف زوج، أي قرابة 78 ألف حمامة، وهذا مقارنة بقرابة 1.8 مليون دجاجة تم استهلاكها خلال الفترة ذاتها.
ووفقاً لعدد من مربي الحمام، فإن تجريم البناء على الأراضي الزراعية دفع البعض منهم لعدم إعادة بناء الأبراج التي ورثها عن أبيه بعد تهدمها، خوفاً من العقوبات التي فرضها القانون على من يبني على الأراضي الزراعية.