في كلمة مقتضبة بعد أدائه صلاة العيد يوم الأربعاء، قال رئيس مجلس السيادة السوداني المشير عبدالفتاح البرهان إن "عيدنا المقبل سيكون دون جنجويد أو مرتزقة أو عملاء"، في إشارة إلى "قوات الدعم السريع" بقيادة محمد حمدان دقلو المعروف "حميدتي"، وأكد أن السودانيين "أصبحوا يميزون بين من يساندهم ومن يقف ضدهم داخل البلاد أو خارجها".
وبالتزامن مع تصريحات البرهان، أرخى المبعوث الأميركي الخاص للسودان توم بيرييلو شكوكاً في امكان انعقاد محادثات السلام المقررة في جدة في 18 نيسان (أبريل) الجاري بعد جولة أولى العام الماضي لم تتكلل بالنجاح.
الواضح أن السودان الذي يدخل في 15 نيسان سنته الثانية من آخر حروبه، لن يشهد نهاية قريبة لنزاع ألقى بالملايين بين براثن الجوع الحاد، وتسبب بأكبر أزمة نزوح في العالم، وأثار موجات من أعمال القتل والعنف الجنسي على أسس عرقية في منطقة دارفور بغرب السودان.
وليس تصعيد خطاب البرهان بتوعده "قوات الدعم السريع"، إلا مؤشراً إضافياً إلى عقبات جديدة أمام محادثات سلام معقدة أصلاً في ظل عدم وضوح مواقف أطراف الحرب من المشاركة.
بات واضحاً أن البرهان الذي حققت قواته تقدماً في الفترة الاخيرة "يستقوي بحليف جديد يمده بدعم عسكري قوي كشف الاعلام الغربي تفاصيل واسعة عنه في الفترة الاخيرة، ولعل آخرها تحقيق مطول لوكالة "بلومبرغ" بعنوان "الطائرات بدون طيار الإيرانية الأفضل والأكثر قدرة على التخفي تعيد تشكيل الحروب"، ذكّر بإسقاط "قوات الدعم السريع" في كانون الثاني (يناير) الماضي مسيّرة من طراز "مهاجر" فوق أم درمان قرب الخرطوم، في ما اعتبر دليلاً على أن السودان يقوم بتعديل المسيرات الإيرانية إلى سلاحه الخاص، ويطلق عليه اسم زاجل-3.
وبدورها، نسبت "رويترز" إلى مصدر كبير في الجيش السوداني أن الطائرات المسيّرة المسلّحة إيرانية الصنع التي طوّرها الجيش السوداني تساعد على تحويل دفة الصراع ووقف تقدّم قوات الدعم السريع.
فعالة وفتاكة
رسمياً، تجدد التعاون الدبلوماسي بين الخرطوم وطهران العام الماضي بعد قطيعة دام ثماني سنوات.
وكان الرئيس السوداني المعزول عمر البشير قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران عام 2017، على خلفية أزمة بين الرياض وطهران، إثر اقتحام مقار دبلوماسية سعودية في الأراضي الإيرانية. وجاء هذا القرار كمبادرة تضامن مع السعودية.
ورسمياً، لا يزال التعاون العسكري الرسمي بين الجانبين معلقاً. ومع ذلك، نسبت "رويترز" إلى مصدر إقليمي مقرّب من الدائرة الحاكمة في إيران أن شركة الطيران الإيرانية "قشم فارس إير" نقلت طائرات مسيّرة إيرانية من طرازي "مهاجر" و"أبابيل" للسودان مرّات عدّة منذ أواخر العام الماضي.
ويشار إلى أن طائرات "مهاجر" و"أبابيل" المسيّرة تصنعها شركات تعمل تحت إشراف وزارة الدفاع الإيرانية.
وعنها يقول نائب وزير الدفاع الاميركي السابق ميك ميلروي لـ"النهار العربي" إن هذه المسيرات غير باهظة الثمن ولكنها فعالة وفتاكة، ونشرها في الصراعات مقلق، وخصوصاً أنها تتسبب بسقوط ضحايا كثر وتكبد خسار كبيرة.
البرهان والتقرب من ايران
ويقول الباحث في الشأن الإيراني يوسف بدر إنه منذ كانون الأول (ديسمبر) 2023 بدأ الحديث عن رغبة البرهان بالتقرب من إيران للحصول على دعم عسكري منها، خاصة في مجال الطائرات المسيرة والتدريب عليها.
وجاء ذلك بعد لقاء مفاجئ على هامش القمة العربية الإسلامية، التي استضافتها السعودية في 11 تشرين الثاني (نوفمبر)، بين البرهان والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بعد قطيعة. ومذذاك، توالت زيارات وفود سودانية إلى العاصمة طهران، أبرزها زيارة وزير خارجية السودان علي الصادق علي الاثنين 5 شباط (فبراير) 2024.
ويشير بدر إلى أنه منذ هذا التقارب، بدأت تظهر أصابع إيران في إدارة الصراع داخل السودان. وفيما يسعى البرهان للتفوق الميداني على قوات الدعم السريع لاستعادة سيطرته على مناطق إستراتيجية، وأهمها العاصمة السودانية الخرطوم، بدأ الحديث يدور عن استفادة قواته من طائرات مسيرة إيرانية قادرة على مراقبة قوات الدعم السريع واقتناص أهدافها.
إلى ذلك، يلفت بدر إلى أن البرهان بدأ يستفيد من المكونات الشعبية الإسلامية والقبلية في مواجهة "الدعم السريع"، في تكرار للتجربة الإيرانية التي تستغل المليشيات الشعبية في مواجهة القوات العسكرية النظامية وشبه العسكرية.
دبلوماسية المسيرات
ومن جهتها، تستغل ايران دبلوماسية المسيرات لكسب العملات الأجنبية لتمويل صناعتها الدفاعية، وتعزيز تحالفاتها الاستراتيجية، وجعلها تاجر أسلحة، مع القدرة على التأثير في الصراعات من أوكرانيا إلى اليمن وسوريا وغزة ولبنان. وتتطلع إيران خصوصا إلى قدر أكبر من النفوذ على ساحل البحر الأحمر، تبحث عن مرافئ لسفنها. ويعد السودان عدداً كبيراً من الموانئ المهمة المطلة على البحر الأحمر، من بينها بورتسودان، الميناء الرئيسي في السودان، إضافة إلى سواكن وبشائر.
... في ظل التوتر السائد في المنطقة، ومن الطبيعي أن يكون التدخل الايراني في السودات تحت المجهر الأميركي. وقالت السفيرة الأميركية بالأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد امس الخميس، إن واشنطن أجرت محادثات عديدة بشأن الصراع مع دول بالمنطقة، مضيفة أنها دعت تلك الدول إلى مطالبة إيران بعدم التدخل في الحرب. وفي ظل تهديد ايران برد انتقامي من اسرائيل بعد الضربة لقنصليتها في دمشق، يصير مشروعاً التساؤل عما اذا كانت واشنطن تخشى أن تكون طهران تبحث عن منطقة رخوة مثل السودان لاطلاق هجوم على اسرائيل.