ثمة أزمة داخلية وصفت بأنها "الأعنف من نوعها"، يمر بها حزب "الدستور" المصري، حالياً. ولم تكن معالم تلك الأزمة التي تطورت على نحو دراماتيكي خلال العامين الماضيين، واضحة للعيان، إلى أن قرر عدد من الأعضاء المؤسسين وقيادات بالهيئة العليا للكيان السياسي المعارض الحديث عما يدور في أروقة حزبهم.
وكان "الدستور" الذي يعد أحد أبرز الأحزاب السياسية التي أُنشئت في أعقاب ثورة 25 كانون الثاني (يناير) 2011، تأسس عام 2012 بقيادة الدكتور محمد البرادعي الحائز جائزة نوبل للسلام. ومع تأسيسه رفع الحزب الشعار الأكثر شهرة لـ"ثورة يناير" وهو "عيش، حرية، عدالة اجتماعية"، ونجح في بدايته في اجتذاب نحو 20 ألف عضو، أغلبهم من الشباب الحالم بتحقيق مطالب الثورة، لكن الحزب شهد تراجعاً بلغ ذروته خلال الأشهر الستة الماضية.
وتحدث "النهار العربي" إلى عدد من الأعضاء المؤسسين وقيادات بالهيئة العليا للحزب، وأكدوا أن ثمة بالفعل صراعاً قوياً يدور في أروقة المؤسسة، وأشار بعضهم إلى أن المزيد من معالم ذلك الصراع سوف تتجلى بوضح للرأي العام المصري خلال الأيام القليلة المقبلة، بالإضافة إلى أن ثمة إجراءات قضائية بدأ أعضاء بالهيئة العليا في اتخاذها، اعتراضاً على ما وصفوه بأنها "إجراءات مخالفة للوائح الحزب الداخلية"، و"محاولة للسيطرة عليه".
رفض التعليق
تواصل "النهار العربي" مع رئيسة حزب "الدستور" جميلة إسماعيل، للرد على بعض الانتقادات التي وجهت لسياستها، لكنها رفضت التعليق، وقالت إن "النظام الداخلي للحزب يمنعنا من الحديث عن الشؤون الداخلية مع الإعلام، وهي مهمة المنوط بها المتحدث الرسمي وليد العماري".
وتم الاتصال بالعماري، لكنه قال في نهاية المطاف إن الحزب سوف يصدر بياناً رسمياً، صباح الاثنين، بدلاً من الرد في تصريحات خاصة. ولم يُرسل البيان حتى كتابة هذه السطور (مساء الثلثاء).
وكانت إسماعيل قد ترأست "الدستور" بعد فوزها في انتخابات داخلية أجريت عام 2022، ومن المفترض أن تستمر فترة رئاستها للحزب حتى 2025. وكان على قائمتها التي حملت اسم "بناء التئام تجديد"، بعض أعضاء الهيئة العليا الذين يخوضون مواجهة مع سياساتها في إدارة الحزب الآن.
انفجار الأزمة
تكشفت ملامح الأزمة بوضوح بعد نشر بعض أمانات الحزب في المحافظات بيانات تتحدث عن المأزق الذي يمر به حزب "الدستور"، وتفاعلت الأحداث بعد بث أمينة التنظيم المركزي بالحزب الدكتورة ريهام الحكيم، مقطع فيديو "لايف" تحت عنوان "ماذا يحدث داخل حزب الدستور"، تعلن فيه لجوءها للمرة الأولى إلى البث الحي عبر صفحتها في "فايسبوك"، لأنه بات لديها مشكلة في مخاطبة أعضاء "الدستور"، هذه الأيام، وأن الحزب "يمر بأزمة هي الأعنف" منذ تأسيسه قبل 12 عاماً.
وأشارت الحكيم في البث الذي استمر لنحو 25 دقيقة، إلى أنها كانت ضمن المرشحين على قائمة إسماعيل، وكانت سعيدة بذلك للغاية، لأنهما عملا معاً لسنوات قبل هذا الترشيح، لافتة إلى أن نقطة التحول الفاصلة في الأزمة الحالية، بدأت في أعقاب رفض الحزب ترشح رئيسته في انتخابات رئاسة الجمهورية المصرية لعام 2024.
وقالت أمينة التنظيم في اتصال هاتفي مع "النهار العربي": "إن ما أُعلن في البث الحي، هو جزء مما حدث، وثمة تفاصيل أكثر إيلاماً لم أتطرق إليها. ومع هذا حرصت على ألا أوجه أي اتهامات لأي شخص بذاته".
وتطرقت الحكيم إلى ما تعتبره "لب الأزمة الحالية"، قائلة: "عندما بدأ الحديث عن ترشح الأستاذة جميلة إسماعيل في الانتخابات الرئاسية، كان هناك قطاع من الأعضاء مؤيد لترشحها، ومتحمس له، وأنا كنت من بين المؤيدين لهذه الخطوة أول الأمر، لكن لاحقاً، وبعد نحو 3 أشهر، حدث تحول في وجهة نظري".
وأوضحت أمينة التنظيم: "كان تأييدي منبعه أن الترشح لاستحقاق مهم بهذا القدر باسم الحزب يعد مكسباً سياسياً، لأنه يعبر عن حضوره في الحياة السياسية المصرية، كما أنه سيساعد على ذكر اسم "الدستور" في وسائل الإعلام، ويشجع الجمهور على الانضمام إليه أو التعرف عليه".
ولفتت الحكيم إلى أنه "بعد إعلان رغبة رئيسة الحزب في الترشح، جاء رد فعل غالبية الأعضاء مغايراً ورافضاً للفكرة، ومن ثم كان علينا اللجوء للسلطة العليا في الحزب، وهي الجمعية العمومية".
وجاءت نتيجة تصويت الجمعية العمومية التي عقدت في تشرين الأول (أكتوبر) 2023، رافضة لترشح رئيسة الحزب، وحدثت تطورات لاحقة أفضت إلى صدام بين إسماعيل ومجموعتها من جهة، و9 أعضاء بالهيئة العليا لـ"الدستور" من جهة أخرى، باعتبارهم ساهموا في وصول الجمعية العمومية إلى هذا القرار، حسبما قالت الحكيم وثلاثة كوادر أخرى في الحزب تحدث إليهم "النهار العربي".