النهار

السودان: معركة كسر عظم في الفاشر ومخاوف من التقسيم والانهيار
طارق العبد
المصدر: النهار العربي
رغم كل النداءات الدولية الداعية إلى تجنّب القتال في الفاشر شمال إقليم دارفور السوداني، فإنّ المشهد العسكري يوحي بخلاف ذلك، وسط حشود لـ"قوات الدعم السريع" استعداداً لدخول آخر معاقل الجيش في الإقليم
السودان: معركة كسر عظم في الفاشر ومخاوف من التقسيم والانهيار
الزعيم القبلي موسى هلال (يسار)... هل يغيّر المعادلات في دارفور؟
A+   A-
 
رغم كل النداءات الدولية الداعية إلى تجنّب القتال في الفاشر شمال إقليم دارفور السوداني، فإنّ المشهد العسكري يوحي بخلاف ذلك، وسط حشود لـ"قوات الدعم السريع" استعداداً لدخول آخر معاقل الجيش في الإقليم، في موازاة استنفار من الحركات المسلّحة وتخوّف المدنيين من خطر التقسيم واقتتال قبلي ومجاعة، تذكّر بحروب لم تندمل جروحها حتى بعد 20 عاماً.
 
ماذا يحدث في الفاشر؟
يتصاعد منسوب التوتر في عاصمة ولاية شمال دارفور، منذ أكثر من أسبوعين بعد تطويق "قوات الدعم السريع" مداخل المدينة واستقدام تعزيزات عسكرية تمهيداً لاقتحامها، فيما يقوم الجيش بعملية إنزال جوي للسلاح والذخيرة لمعسكراته وقوات الحركات المسلّحة المتمركزة في قلب الفاشر، وحتى لمعسكر تابع لزعيم قبيلة المحاميد موسى هلال، الذي يُعتبر الأب الروحي للميليشيات التي قاتلت قبل 20 عاماً وتمرّد على السلطة قبل أن يعود ليعلن دعمه للقوات المسلحة، وهو ما يتوقع مراقبون أن يشكّل نقطة تحوّل في مسار الحرب في المنطقة، إذ تشير معلومات إلى انشقاقات ضمن صفوف مقاتلي الدعم، تسارعت بعد إعلان هلال الأخير، وهو ما يُنذر بتعقيد إضافي للمشهد في دارفور.
 
وقال مصدر محلي في الفاشر لـ"النهار العربي"، إنّ "قوات الدعم" تمنع بشكل تام دخول أي مواد غذائية إلى المدينة، وتسمح فقط بخروج المدنيين والبضائع نحو مليط شمال الولاية، والتي استولت عليها أخيراً، وكذلك نحو نيالا جنوب دارفور، وسط ضعف في شبكات الاتصالات يدفع من تبقّى لاستعمال الانترنت الفضائية للتواصل هناك.
 
 
وتشهد مناطق الشمال والشرق تحليقاً للطيران الحربي وغارات جوية كثيفة، بالتزامن مع اشتباكات متقطعة تشهدها الأحياء الطرفية كالمصانع والكهرباء والوفاق، وبجوار مخيم أبو شوك للنازحين الذين يقدّر عددهم بـ 23 ألفاً تقريباً، قدِموا باتجاه الأحياء الجنوبية من غرب الفاشر حيث تنتشر آليات تابعة لـ"قوات الدعم".
 
من الحياد إلى خط اشتباك مباشر 
وتُعتبر مدينة الفاشر آخر موقع خاضع لسيطرة الجيش في إقليم دارفور، حيث تمدّد "الدعم السريع" الخريف الفائت، وباتت ولايات شرق دارفور ووسطه وجنوبه  وغربه بالكامل تحت قبضته، فيما نجحت سلسلة اتفاقات محلية في تحييد الولاية الشمالية من الإقليم، حيث تتمركز قيادات تابعة للحركات المسلّحة، وتقوم بتأمين الطرق التي تسلكها قوافل الإغاثة من ميناء بورتسودان.
 
غير أنّ التوتر بدأ يتصاعد منذ أسبوعين بعد اشتباكات في مليط شمال الفاشر، وتقول مصادر ميدانية لـ"النهار العربي" إنّ المعارك تحرّكت هناك إثر إعلان قيادات الحركات المسلحة انحيازها إلى الجيش وانضمامها إلى القتال في باقي الولايات، من دون إغفال أهمية المنطقة في أي مفاوضات مرتقبة، وهو ما دفع إلى سيطرة مقاتلي "الدعم" قبل أن يبدأ حصار المدينة التي تضمّ أكثر من 800 ألف نازح من باقي الولايات، ما يثير المخاوف الدولية من كارثة إنسانية، تُضاف إلى الوضع المأسوي لعموم البلاد. ويتخوف السكان من سيناريو التقسيم والاقتتال القبلي، ذلك أنّ الفاشر تُعدّ معقلاً للحركات المسلحة ذات الانتماء القبلي الإفريقي، مقابل "قوات الدعم السريع" التي ينحدر معظم قادتها ومقاتليها من قبائل عربية، ما يعيد إلى الأذهان عشرية النار التي أصابت الإقليم بين 2003 و2013، لتعود وتتجدّد خلال الحرب الأخيرة.

تحذير من الانهيار
لا يرى الصحافي المتخصص بقضايا إقليم دارفور عيسى دفع الله، أنّ الحرب تتخذ طابعاً قبلياً رغم التحشيد العسكري المتواصل. فرغم انتماء عدد من قادة الحركات المسلحة لقبيلة الزغاوة الإفريقية، غير أنّ الاستنفار الشعبي، كما يصفه، يتوزع على قبائل عدة. ولكن الباحث يلفت في حديثه لـ"النهار العربي" لما يراه أكثر خطورة، مضيفاً: "المشكلة الأكبر هي في الأوضاع الاقتصادية المتدهورة وشح السلع الغذائية وانهيار كبير للقطاع الصحي. والمواد الإغاثية التي كانت تصل عبر مدن الدبة والطيرة لم تعد تدخل رغم المناشدات الدولية، وآخرها جلسة مجلس الأمن، ولكن لا يزال التحشيد مستمراً". ويتخوف دفع الله من الخسائر الكبرى التي ستصيب المدنيين، وهو ما يثير قلق المجتمع الدولي بحسب قوله: "فالفاشر مكتظة بـ 800 ألف لاجئ قدموا بعد سقوط المناطق في دارفور، فهي أشبه بمعسكر كبير للنازحين".
 
سيناريوات الحرب المرتقبة
يلخّص الناطق الرسمي باسم قوات "حركة العدل والمساواة" الجنرال حامد حجر، مسارات المعركة في الفاشر بسيناريوات عدّة. ويعتبر أولها هو تصدّي الجيش والحركات المسلحة والمستنفرين، بمشهد يُذكّر بالهجوم على الفرقة 22 في بابنوسة غرب كردفان، حيث لم تتمكن "قوات الدعم" من إسقاط الفرقة العسكرية. ويضيف في حديثه لـ"النهار العربي": "السيناريو الثاني هو هجوم متمرّدي الدعم على الفاشر وإسقاطها، ما يؤلّب المزيد من القبائل الإفريقية في دارفور، لأنّ الفاشر تاريخياً رمز لسلطنة الإقليم، والجيش يسعى بكل ما يملك لإحباط سقوط المدينة لاعتبارات استراتيجية تمنع تكرار النموذج الليبي غرب السودان".
 
ولعلّ الارتكاز على قوات الجيش والحركات المسلحة هو كذلك ما يشير له دفع الله، متوقعاً "معركة كسر عظم، سيتضرّر منها الدعم السريع بالمقام الأول ويفقد جزءاً كبيراً من قوته عند اصطدامه بقوات الجيش والحركات المتمركزة شمال دارفور".

ما تأثير انشقاق موسى هلال على معارك دارفور؟
يلفت الجنرال حامد حجر إلى أهمية الموقف الأخير لموسى هلال، معتبراً أنّ للأمر تأثيره على مواليه ضمن "الدعم السريع"، ويقول: "سيجبرهم ذلك على الانتقال للطرف الموالي للجيش، فتكون نهاية تمرّد الدعم السريع وكسر رهاناته بقيام دولة للعطاوة، وهي القبيلة الأم التي ينتمي لها قادة الدعم".
 
وهي وجهة نظر يلتقي فيها مع الخبير العسكري والاستراتيجي معاوية عوض الله، الذي يعوّل في حديثه لـ"النهار العربي" على دور هلال، ويقول: "الشيخ هلال بثقله القبلي ووطنيته سيغيّر الموازين على أرض المعركة، مع تحالفاته مع الجيش والحركات المسلحة والمقاومة الشعبية، بالإضافة لتأثيره القبلي في الداخل وضمن القبائل الحدودية على طول الشريط، ما سيقلّل الإمداد بالمرتزقة والسلاح".
 

اقرأ في النهار Premium