تنعقد القمة العربية في البحرين اليوم وسط ظروف إقليمية ودولية بالغة التعقيد، فالصراعات العسكرية والسياسية تمزق بلداناً عربية، والأوضاع الإنسانية في قطاع غزة تزداد سوءاً، وليس ثمة أفق واضح لحل سياسي قريب، والحرب الأوكرانية تلقي بظلالها القاتمة على المنطقة والعالم، ولا تزال تأثيرات وباء كورونا مخيمة.
وسط هذه الأوضاع الاستثنائية، ثمة آمال معقودة على التئام الدورة 33 لاجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة، مع أجندة متخمة وملفات كثيرة سوف يناقشها القادة العرب.
ويقول الدبلوماسي المصري السفير جمال بيومي في حديث خاص لـ"النهار العربي": "نحن في وضع مشتبك ومعقد للغاية، ومعظم الأطراف تكذب ولا تعبر عن الوضع الحقيقي، وأول هذه الأطراف هي الولايات المتحدة. واشنطن تدعم وجود إسرائيل وممارساتها، ولكنها الآن تحت ضغط من الرأي العام العالمي، بمن في ذلك عقلاء اليهود في أوروبا وأميركا، فالمجزرة التي تحدث في غزة باتت جلية... ما يحدث ليس حرباً، بل هو قتل بدم بارد".
الدبلوماسي المصري احتفل، قبل أيام قليلة، بمرور 63 عاماً على رحلته في السلك الدبلوماسي المصري، وقد شغل خلال تلك الرحلة مناصب متنوعة، ولعب أدواراً مصرية وعربية بالغة الأهمية، ومنها قيامه بدور المهندس لعلاقات مصر مع الاتحاد الأوروبي في فترة التسعينات وبداية الألفية الثانية، كما عمل مستشاراً للأمين العام لجامعة الدول العربية، وتولى إدارة إسرائيل بوزارة الخارجية المصرية، ويتولى حالياً أمانة اتحاد المستثمرين العرب.
تحليل الوضع المتشابك
يرى السفير بيومي أن "قمة البحرين تأتي والعالم العربي مهدد، ويمر بظروف غير جيدة. معظم بلدان العالم العربي انقسمت على نفسها، ما بين أحزاب وقبائل، وهذه كارثة، والمصيبة الأكبر أن يلجأ كل طرف إلى جهة أجنبية تدعمه، ومن ثم بات الحل أجنبياً وليس عربياً".
ويضرب مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق مثالاً بسوريا، ويقول "ثمة 4 قوى أجنبية في هذا البلد العربي: أميركا لها قوات، وفرنسا لها قوات، وإيران لها قوات، وتركيا تحتل شمال سوريا، والعراق فيها أيضاً مشكلات مشابهة، وليبيا كذلك، ومصيبة الدولتين الأخيرتين أنهما غنيتان، وتالياً ثمة أطماع في البترول الموجود بأراضيهما".
ويشير بيومي إلى أنه "حين يحدث انقسام داخل الدول، تلجأ في الغالب إلى قواتها المسلحة، لأن ولاء هذه القوات للعلم وليس لقبيلة أو جهة معينة، لكن في السودان، على سبيل المثال، بات الجيش السوداني يحارب بعضه بعضاً، ولاؤه لم يعد لأحد".
ويضيف: "ما يجري في اليمن وتهديد الملاحة والمصالح العربية في البحر الأحمر، وما يحدث في الصومال وانقسامه، ومنح جزء منه (في إشارة إلى إقليم أرض الصومال) منفذاً بحرياً مطلاً على البحر الأحمر لإثيوبيا، كل هذا يوضح مدى تدهور "صحة" العالم العربي".
ويعتبر الدبلوماسي المصري أن "الدول التي لا تزال تقف على قدميها هي مصر، ودول الخليج التي تستند إلى أركان ثابتة، هذا بالإضافة للمغرب، والجزائر إلى حد ما، أما تونس فهي ليست بوضع جيد، هذا هو شكل العالم العربي في وسط المشهد المعقد بمنطقتنا".
الملفات الأكثر أهمية
يواصل بيومي حديثه: "من تجربتي المتواضعة في السلك الدبلوماسي، أعتقد أن أهم الملفات التي يجب أن توليها القمة العربية أولوية: القضية الفلسطينية، والانتهاكات الإسرائيلية، ودراسة السبل الممكنة للتصدي لها. وكذلك الوضع العالمي المشتبك، ووباء كورونا الذي لا تزال له تأثيراته علينا وعلى العالم، كذلك حرب أوكرانيا وتبعاتها".
الاشتباك الحادث في العالم العربي، يعزز أهمية القمة، وفق مساعد وزير الخارجية الأسبق: "منذ زمن بعيد أرى أهمية لعقد القمم العربية، وأنادي بألا تكون سياسية فقط، بل أيضاً تكون اقتصادية، وقد عملت بجهد كبير لتنظيم ثلاث قمم بهذا الشكل وعُقدت في الكويت، والرياض، والقاهرة... ثم حدث غياب لهذا النوع من القمم الاقتصادية رغم أهميتها".
يقيس بيومي نجاح القمة بأربعة معايير، وهي: "إذا اجتمعت القمة في مواعيدها، فهذا يعني نجاحها بنسبة 25 بالمئة، وإذا اتفقنا على جدول الأعمال نضيف 25 بالمئة أخرى، ولو اتخذت القمة قرارات متفقاً عليها بين الدول العربية يضاف 25 بالمئة، وإذا نجحت في تنفيذ تلك القرارات، فهذه 25 بالمئة أخرى".
الملف الاقتصادي
بالرغم من كل التعقيدات، وتأكيده أهمية الملفات التي ذكرها، خصوصاً الملف الفلسطيني، يعطي مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق أهمية قصوى للملف الاقتصادي، ويعتبره محورياً وضرورياً لتحسين الأوضاع في المنطقة العربية.
ويقول: "ثمة اتفاقيات اقتصادية وقعت بين الدول العربية، لكن نحن لدينا بعض المشكلات في تطبيقها، مثلاً: ثمة خلل بشأن قواعد المنشأ، كما أن بعض الدول تطبق منطقة التجارة العربية الحرة، ولكنها تستثني بعض السلع لأنها تنتجها وتعطي أولوية لمنتجها، ومن ثم فإن ثمة حاجة لبذل الكثير من الجهد في هذا الإطار".
ويروي بيومي أنه قال لمسؤولين اقتصاديين مصريين بالجامعة العربية، خلال فترة عمله بها، إنه "لم يعد هناك شيء يمكن أن نفعله في التجارة العربية ولم نقم بفعله، ولو قمنا بتحرير التجارة العربية كاملة فلن يحدث الكثير من التقدم"، مضيفاً: "بالمناسبة فإن التجارة العربية البينية لا تتجاوز 12 بالمئة من إجماليها، وهذا رقم لا يدفعنا للاعتزاز به".
الإشكالية، في رأي الأمين العام لاتحاد المستثمرين العرب، أن "70 بالمئة مما يستورده العرب لا ينتج في العالم العربي، ولذا مهما حررت التجارة فلن يفيد هذا، لأن ما تحتاجه لا ينتج في بلادنا، وخصوصاً في 3 قطاعات مهمة".
القطاع الأول هو "صناعة الآلات. البلاد التي تعتمد اعتماداً كبيراً على إنتاج المنسوجات ومنها مصر وتونس، تستورد الآلات التي تصنع بها المنسوجات، وأفضل آلات النسيج تأتينا من سويسرا".
أما القطاع الثاني فـ"لدينا أكبر دول مصدرة للبترول في العالم، ولم نفكر في إنشاء صناعة ناقلات البترول. أكبر مركب نقوم بصناعتها في مدينة الإسكندرية، وهي تحمل فقط 12 ألف طن، في حين أن هناك ناقلات تصنع بالخارج وتحمل 450 ألف طن. أضف إلى ذلك قطاع النقل والمواصلات، لا سيارة عربية".
البند الثالث، والذي شدد بيومي على أهميته "هو الغذاء، ثمة فجوة غذائية في العالم العربي تقدر بنحو 50 مليار دولار، وهذا لا يليق بنا في بلاد النهرين في العراق، وبلاد النيل في مصر والسودان، لذا يجب أن نركز على هذا المجال ونسد تلك الفجوة".