أطلق معهد غوته الألماني في السودان منصة "سكة"، في أمسية بمقر المعهد في العاصمة المصرية القاهرة؛ إذ احتفل مؤسسو المشروع بإطلاق المنصة التي توثق حضور الثقافة والفنون وتداخلها في تشكيل معالم الانتقال والثورة السودانية.
ويقول مؤسسو "سكة" إنّ فريقهم "يسعى لتعزيز حضور الثقافة والفنون وتداخلها في تشكيل معالم الانتقال والثورة السودانية، عبر تقديم مواد نصية وبصرية، تُحفز على الانشغال الدائم بتحقيق الإجابة عن أسئلة الحريات والحقوق والديموقراطية وسيادة حكم القانون".
تحقق هدف فريق "سكة" من خلال توثيق مساحات تفاعل السياسيين والثقافيين والأدباء والفنانين والفاعلين المجتمعيين في دفاتر حضور سجلات الانتقال المدني الديموقراطي في السودان.
يشار إلى أن إطلاق "سكة" يتزامن مع اشتداد وتيرة الحرب الدائرة في السودان، ما جعل مشاركة أغلب مؤسسي المنصة في الحفل المقام بالقاهرة افتراضية. وقال المؤسسون في كلماتهم إن ظروف الحرب، وتعقيد أوضاع السفر حالت دون حضورهم جميعاً إلى مصر.
شارك معظم مؤسسي المشروع في حفل إطلاقه افتراضياً
ميلاد "سكة"
في حديث على هامش الحفل، قالت ضحى محمد، منسقة مشاريع المنح الإنتاجية والعلاقات العامة بمعهد غوته في السودان، لـ"النهار العربي"، إنّ "منصة سكة انبثقت في عام 2019، عن مشروع ميديا لابس، والمقدم من قبل وزارة الخارجية الألمانية، ومعهد غوته".
استهدف المشروع دعم نشطاء وناشطات المجتمع المدني في السودان، والجزائر، وتونس، والمغرب، وليبيا، ولبنان، والأردن، والعراق، واليمن، وموريتانيا، ومصر، من خلال مشاريع ثقافية وتعليمية بالتعاون مع مؤسسات محلية.
وعن سبب تسمية "سكة"، تقول: "الوصول إلى هذه التسمية استغرق وقتاً طويلاً من العصف الذهني والتفكير، ما اعتبره مؤسسو المشروع فكرة أقرب إلى الرحلة، لذا جاءت تسمية "سكة" باعتبارها الطريق الذي اختاروه في رحلتهم إلى التوثيق والأرشفة".
تضيف محمد: "ثمّة مشروعات أخرى إلى جانب مشروع سكة، انضوت جميعها تحت مظلة مشروع ميديا لابس، الذي استهدف في بداية انطلاقه عام 2019 التعاون مع صناع المحتوى والصحافيين المستقلين، بهدف بناء خريطة ترصد أوضاع وسائل الإعلام في السودان، وما تعانيه من رقابة قبل الثورة السودانية".
مع اندلاع الثورة، تبدت أفق جديدة من حرية التعبير أتاحت الفرصة لفريق عمل "سكة" لتنظيم تدريبات في مجال الإعلام وصناعة المحتوى، مما سمح للفريق ببناء مجتمع من الفاعلين، وساعد على صقل المهارات الفردية في المجال الإعلامي.
محو الثورة من الذاكرة
بعد أشهر من انطلاق الثورة السودانية وخروج عمر البشير من السلطة، جرّت تسويات عدة بين الأطراف السياسية وقيادات الجيش السوداني، أسفرت عن استقرار نسبي قبل اندلاع الحرب الأخيرة.
كان من نتائج هذه التسويات أن عادت السلطات السودانية لتقييد حرية التعبير مجدداً، حتى أنها حاولت محو كل ما يتعلق بالثورة من الذاكرة، مثل محو الجداريات التي تمثل الثورة، كما أن قصص الاعتصام نفسها طاردها شبح النسيان، ومن هنا عمل فريق "سكة" على جمع وأرشفة المحتوى الذي وثق أحداث الثورة، إذ إن أعضاء الفريق كانوا موجودين في أرض الاعتصام من بدايته، على ما تقول ضحى محمد.
وتوضح أنه "في عام 2022، داعبت الفريق فكرة تأسيس منصة على الإنترنت؛ تجمع المنتج الذي يوثق ويؤرشف للحركة الفنية والثقافية التي كبرت وازدهرت في ظل الثورة السودانية، إلى جانب كل ما يتعلق بالثورة من أحداث ومواد بصرية".
وحتى يتسنى تحقيق حلم إطلاق المنصة، شكّل مؤسسو المشروع فريق عمل تحريرياً، يضم صناع محتوى، ومخرجين إبداعيين، ومترجمين، ومصورين؛ إذ عمل هذا الفريق على وضع تصور للمنصة وتنفيذه، فضلاً عن العمل على إضافة محتوى تشاركي من فاعلين خارج الفريق.
أتاحت الثورة السودانية مساحة مؤقتة من حرية التعبير
تحدي الحرب
استمرت خطة الفريق في طريقها من عام 2022 حتى اشتعلت الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع يوم 15 نيسان (أبريل) 2023، وتشير ضحى إلى أن "الحرب وضعت على كاهل فريق سكة تحدياً جديداً، خاصة مع الظروف القاسية التي واجهها الشعب السوداني بأكمله".
قرر الفريق استكمال مهمته وعمل على توثيق أحداث الحرب الجارية أيضاً، بغية توثيق التغيّرات التي طالت ملامح المدينة، وطرأت على الشعب السوداني نفسه، على سبيل المثال: رصد الصورة البصرية، بتوثيق تجارب النزوح الشخصية للمصورين، رغم الخطورة الكبيرة التي واجهتهم، إذ إن أي عملية توثيق بصري في الشارع تعرض صاحبها للاستهداف المباشر، بالقتل أو بالاعتقال التعسفي.
وتقول محمد إنّ "الأمر اللافت هو توثيق الناس العاديين من غير محترفي التصوير قصص نزوحهم ومعاناتهم مع الحرب، حيث استعان فريق المنصة بالمواد البصرية التي صوّرها هؤلاء".
لا يتوقف توثيق "سكة" فقط عند المواد البصرية، لكنه يمتد إلى تدوين المقالات وإنتاج البودكاست، ومن المقرر أن يتوسع المشروع في أنشطة أخرى، خاصة أنه سيستقل بعد عام من الآن عن دعم معهد غوته، بحسب ما تقول ضحى محمد.