مع تزايد موجات الهجرة واللجوء من السودان وبلدان أفريقية إلى مصر، خلال الأشهر الماضية، وارتباط البشرة السمراء بالسودانيين في ذهنية الكثير من المصريين، حدثت ردود أفعال متباينة تجاه الوافدين السودانيين، خصوصاً بعد تداول صور ومقاطع فيديو لتجمعات كبيرة من ذوي البشرة السمراء في بعض الشوارع، وكذلك سكنهم بكثافة ملحوظة في مناطق عدة في القاهرة والضواحي المتاخمة لها، إلى حد جعل البعض يصف تلك المناطق بأنها مدينة سودانية حالية، مثل قولهم "الخرطوم... فيصل سابقاً".
وربما أثار البلاغ الذي تقدمت به الفنانة المصرية فريدة سيف النصر لدى الشرطة، أخيراً، ضد تجمع من "السودانيين" في منطقة العجوزة بمحافظة الجيزة، المزيد من ردود الفعل الغاضبة والمتعاطفة مع الجالية السودانية بمصر، ودفع الكثير من المواطنين للحديث عن الحضور القوي الذي بات جلياً في أماكن عدة، مثل مناطق عرب المعادي، وفيصل، والجيزة، وبولاق الدكرور، وغيرها.
وتضم مصر أكثر من 9 ملايين وافد، أغلبهم من السودانيين الذين جاء كثير منهم هرباً من الحرب التي اشتعلت في البلد المجاور لمصر، في 15 نيسان (أبريل) 2023، لكن أيضا ثمة جنسيات عدة أخرى من ذوي البشرة السمراء وفدوا إلى هنا بعد اشتعال صراعات أو تأزم الأوضاع المعيشية في بلدانهم، فمنهم عدد كبير من إثيوبيا، وإريتريا، والصومال، ودولة جنوب السودان، وغيرها.
مسببات الغضب
وبينما يعتبر من يرحبون بوجود هؤلاء "الضيوف" على أرض مصر الأمر طبيعياً، وواجباً حيال الأشقاء، يشير المهاجمون لوجودهم والمطالبون بترحيلهم أو ضبط وجودهم، إلى أسباب محددة تجعلهم يتخذون هذا الموقف.
ومن الأسباب المتكررة "تسببهم في رفع الإيجارات والأسعار"، ويقول سعيد أحمد وهو شاب مصري التقاه "النهار العربي" خلال بحثه عن شقة بمنطقة عرب المعادي: "أنا مقبل على الزواج، وراتبي لا يتجاوز 5000 جنيه، وكنت أخطط قبل نحو عام أن أخصص 1500 لاستئجار شقة بالقرب من عملي لإتمام زواجي بعد خطبة استمرت 3 سنوات".
ويضيف: "حين ذهبت للبحث عن شقة، وجدت أن أسعار الشقق تضاعفت كثيراً، ويجب أن أدفع أكثر من 3000 جنيه لأحصل على شقة تصلح بالكاد لعروسين. وقد قال لي بعض من التقيتهم خلال البحث، إن "السودانيين" يعرضون دفع إيجارات أعلى من المعمول بها لإغراء أصحاب الشقق بالتأجير لهم، وهذا أثّر على أسعار الإيجارات كثيراً".
ويشتكي البعض من أن تلك التجمعات تسبب ضجيجاً وتعطيلاً لحركة السير، وبحسب تقارير محلية، فإن هذا كان الدافع لتقديم الفنانة سيف النصر بلاغها ضد أحد تلك التجمعات بمنطقة العجوزة في محافظة الجيزة.
ويعترض آخرون على الأسلوب الذي يتحدث به بعض الوافدين من أنهم يعيشون في مصر بأموالهم، فيما يقول البعض إن أعمال البلطجة وقطع الطريق انتشرت في مناطق مثل فيصل.
وحين تقصى "النهار العربي" آراء بعض سكان المنطقة، أكدوا أنهم لم يشهدوا مثل تلك الحوادث ضد مصريين، لكن ربما ارتكبها "سودانيون ضد مواطنيهم" حسب قولهم. وكانت صحافية سودانية قالت لـ"النهار العربي" في تقرير سابق إن ثمة عصابات تدعى "النيقرز" تستهدف السودانيين في السودان، وقد جاء عدد من أفرادها إلى مصر ويمارسون الجرائم ذاتها هنا، لكنهم لا يقتربون من المصريين.
صوت مرتفع
يقول مدير "مركز حق" الحقوقي ياسر فراج لـ"النهار العربي" إن "غالبية المصريين ينظرون إلى السودانيين كأشقاء، وإن الرابط الذي يجمع بينهم، وهو أنهم أبناء وادي النيل، يعتبر رابطاً وثيقاً لا يقل عن رابط الدم، فهو يسبق تأسيس الكيانات السياسية الحديثة والحدود التي تفصل بينها".
مدير المركز المصري الذي يهتم بحقوق السودانيين والوافدين في مصر وينظم لهم فعاليات ثقافية واجتماعية متنوعة، يضيف: "مع هذا التأكيد على أن الغالبية محبة ومتعاطفة مع الإخوة السودانيين في أزمتهم، لا يمكن أن ندفن رأسنا في الرمال ونقول إن كل ما يحدث سببه وجود لجان إلكترونية، ولكن يجب أن نعترف بأن نسبة غير قليلة من المهاجمين لوجود السودانيين في مصر، هم مواطنون مصريون... ورغم قلتهم إلا أن صوتهم مرتفع".
ويشير فراج إلى أنه "لا شك في أن جزءاً كبيراً من الإشكالية يرجع إلى غياب الوعي. لو أدرك هؤلاء التأثير الذي يحدثه كل موقف يفعله المصريون مع أشقائهم السودانيين وغيرهم من الإخوة الذين تستضيفهم مصر بعد تعرض بلدانهم لأزمات، ربما أعادوا التفكير في الكثير من المواقف السلبية، وركزوا على المواقف الإيجابية والدعم بكل السبل الممكنة لهم، وكثيرون يفعلون هذا بالفعل، مثل بعض ملاك الشقق الذين يتسامحون إذا تأخر السكان السودانيون في دفع إيجاراتهم المستحقة".
أمر طبيعي
من وجهة نظر الكاتب رامي يحيى، وهو مهتم بالجاليات السودانية في مصر ويحضر الكثير من فعالياتهم الثقافية، فإن "ما يحدث من انزعاج البعض من "المهاجرين" أمر طبيعي، ونراه في الكثير من المجتمعات، وليس المجتمع المصري فحسب، فقد نشهده في المجتمعات الأوروبية التي تستقبل ملايين المهاجرين".
ويقول يحيى لـ"النهار العربي": "ما يجب الإشارة إليه، أن ما يحدث هنا مبعثه سذاجة البعض، والعنصرية التي يحركها الجهل، فأي شخص ذي بشرة سمراء يعني أنه سوداني، وعلى سبيل المثال، لا يدرك هؤلاء الفرق بين السوداني والجنوب سوداني والأفريقي من جنسيات أخرى، وهذا يعني أننا معزولون عن محيطنا الجغرافي، باعتبارنا جزءاً من أفريقيا".
ويتساءل: "أريد أن أستمع إلى مبررات منطقية من الرافضين لوجود السودانيين وغيرهم من ذوي البشرة السمراء، هل أنت ترفض هؤلاء بسبب لونهم؟ إذا كان هذا موقفك، فهذه عنصرية غير مقبولة، أما إذا كانت هناك تأثيرات اقتصادية، أو سياسية، أو أمنية... الخ، فيمكن أن نتحدث عنها".
ويضيف: "كثير من هؤلاء تأتيهم أموال من الأمم المتحدة، أو من أقربائهم في الخارج، ومنهم من يستثمر أمواله في مشروعات، أو ينفقونها على الإيجارات وشراء السلع والخدمات، وهذا يعني أنهم يحركون الاقتصاد ويفيدونه".
ويرى يحيى أن الحديث عن أن الوافدين تسببوا في ارتفاع أسعار الإيجارات والسلع والخدمات "كلام غير صحيح، فهؤلاء أتوا إلى مصر، وسألوا عن الأسعار وتعاملوا وفقاً لها، فإذا كان هناك من استغل حاجتهم لاستئجار منزل أو شراء سلعة غير متوافرة، فإن هذا ليس خطأ منهم، ولكنها مسؤولية الجهات الرقابية، وخطأ الملاك والتجار الجشعين".