أثار تحريك سعر رغيف الخبز المدعم في مصر، بنسبة 300 بالمئة اعتباراً من أول حزيران (يونيو) المقبل، ضجة واسعة في البلاد، إذ سيصير السعر الرسمي للرغيف حكومياً 20 قرشاً بدلاً من 5 قروش.
واستشرت حالة من الغضب بين قطاع من المصريين في أعقاب إعلان الخبر، إذ ثمة من اعتبر الخطوة تخلّياً حكومياً عن الفقراء، في حين أشار آخرون إلى أن القرار ضروري، وخصوصاً أن الزيادة الجديدة لا تعني التخلي عن الدعم كلياً، إذ لا تزال الحكومة تتكفل بتغطية نحو 105 قروش من قيمة رغيف الخبز الذي يتكلف تصنيعه 125 قرشاً.
وفي المؤتمر الصحافي الذي شهد الإعلان عن القرار، أشار رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي إلى أن قيمة الدعم السنوي للخبز في مصر تبلغ 120 مليار جنيه مصري (الدولار يساوي 47.2 جنيهاً)، ويصل كم الإنتاج السنوي إلى 100 مليار رغيف، لافتاً إلى أن السعر لم يتحرك منذ 30 عاماً.
وأوضح مدبولي أن حكومته تدرس تحويل الدعم العيني إلى نقدي للأسر المستحقة، وفي هذا الصدد تعمل على وضع تصور لتحويل الدعم الحكومي إلى نقدي، قبل نهاية العام؛ لوضع خطة وبدء التطبيق اعتباراً من موازنة السنة المالية 2025-2026.
فوق قدرات الدولة
ثمّة اتهامات يوجهها المدافعون عن قرار الحكومة، من بينها أن المواطنين المستفيدين من دعم الخبز لا يستخدمون كل حصتهم منه، بل يجففونه ويبيعونه علفاً للماشية.
لا يتفق عبد الله غراب، رئيس الشعبة العامة للمخابز بالاتحاد العام للغرف التجارية مع هذا الطرح؛ إذ يقول لـ"النهار العربي" إنه لا يمكن تعميم هذه الممارسات على جميع المواطنين.
ويضيف غراب أنّ قرار تحريك سعر الخبز نابع بالأساس من ثبات سعر رغيف الخبز عند 5 قروش منذ نحو 30 عاماً، لافتاً إلى أنه لا يوجد سلعة واحدة في العالم بأكمله يمكن أن يبقى سعرها ثابتاً على مدار كل هذه السنين.
ويتابع: "ثبات السعر تسبب في زيادة فاتورة الدعم الحكومي؛ لتعويض الزيادة التي تطرأ على تكلفة رغيف الخبز، مما أدى في النهاية إلى وصول الدعم إلى مستوى ربما لم تعد الدولة قادرة على تحمله".
ويقول إن "ثمّة أزمة أخرى تواجه أصحاب المخابز، إذ إن تكلفة سعر الرغيف التي تتحملها المخابز حوالي 125 قرشاً، فيما لا تدفع الدولة سوى نحو 90 قرشاً، ومع إضافة 20 قرشاً سعر الرغيف الجديد، يبقى هناك عجز في كل رغيف يقدر بنحو 15 قرشاً".
ويؤكد رئيس الشعبة العامة للمخابز أن ثمة اجتماعاً مع وزير التموين علي المصيلحي لحل هذه الأزمة.
يشار إلى أن سعر رغيف الخبز شهد تحريكاً غير مباشر قبل أربعة أعوام من طريق خفض وزنه؛ بهدف ترضية أصحاب المخابز، وتقليل خسائرهم. وبحسب قرار وزارة التموين في عام 2020، خُفض وزن رغيف الخبز المدعم من 110 غرامات ليصل إلى 90 غراماً، مع تثبيت سعر الرغيف للمواطن عند 5 قروش.
يصرف الخبز المدعم على بطاقات التموين أو من خلال كارت الخبز فقط، حيث يعتمد 73 مليون مواطن على الخبز المدعم، ويحصل كل فرد مستفيد من الدعم على 5 أرغفة خبز في اليوم، بإجمالي 150 رغيفاً على مدار الشهر، بحسب وزارة التموين المصرية.
الدعم النقدي
من جهته يرى الخبير الاقتصادي محمد محمود أنّ الدعم الحكومي يعدّ مشكلة هيكلية في الاقتصاد المصري منذ نهاية سبعينات القرن الماضي، ولا شك في أن قرار تحريك سعر الخبز يثقل كاهل المواطن، لكن ثمّة معضلة اقتصادية صعبة، فكلما ارتفعت قيمة عجز الموازنة لا يصبح أمام الحكومة سوى خيارين، إما الاقتراض وما يتبع ذلك من زيادة الدين العام، والخيار الثاني يتلخص في التقشف، والحد من النفقات.
لكن محمود يقول لـ"النهار العربي" إنّ "هناك إجراءات كان يمكن اتخاذها من قبل الحكومة للتخفيف من حدة شعور المواطنين بإجراءات التقشف، في مقدمها تراجع نسبة التضخم، إلى جانب زيادة - حتى لو بطيئة لكنها مستمرة - في الرواتب، مما يساعد في تحسين مستوى المعيشة، وفي هذه الحالة يمكن للحكومة التخفف من بعض نفقات الدعم وفقاً لخطة واضحة وبشفافية كاملة".
أمّا في ما يتعلق بالتحول إلى الدعم النقدي التي أشار إليها رئيس الوزراء، يقول محمود إنّ "فكرة الدعم النقدي بشكل عام تعد جيدة للغاية، وثمة تجارب ملهمة في هذا المضمار، على رأسها تجربة البرازيل، لكن في الحالة المصرية، ثمّة تساؤلات عديدة، مثل: هل ستمنح الحكومة الدعم النقدي في صورة منحة مالية ثابتة لن تتغير في المستقبل مع زيادة التضخم؟ أم ستخضع قيمة الدعم لزيادة سنوية، مثلها مثل المعاشات والرواتب".