في حدث بارز، عثر علماء الآثار في مصر على تابوت حجري مفقود منذ فترة طويلة ويعود إلى أقوى فراعنة مصر القديمة، بعد أكثر من ثلاثة آلاف عام على وفاته، وذلك بعدما أعادوا فحص مقبرة غامضة من الغرانيت عُثر عليها تحت أرضية أحد المراكز الدينية في شرق وسط مصر، واكتشفوا أنها تعود إلى رمسيس الثاني، بحسب تقرير نشرته صحيفة "دايلي ميل" البريطانية.
وشهدت فترة حكم رمسيس الثاني الذي يعرف برمسيس الكبير من 1279 إلى 1213 قبل الميلاد تشييد تماثيل وعمارات ضخمة في فترة كانت بمثابة الذروة الأخيرة لنفوذ الإمبراطورية المصرية.
وعُثر في الأصل على رفات أحد رؤساء الكهنة في التابوت، ولكن هذا الاكتشاف الجديد يشير إلى أنه تمت إزالة مومياء الفرعون وتابوته لإعادة استخدام المدفن.
وبحسب تقرير "دايلي ميل"، توصّل الأستاذ والباحث في جامعة السوربون في فرنسا عالم المصريات فريديريك بايرودو إلى هذا الاكتشاف خلال أيار (مايو) من العام الحالي، بعد إلقاء نظرة جديدة على قطعة من الغرانيت اكتشفت في أبيدوس عام 2009. ووجد أن الحجر الذي يبلغ طوله خمسة أقدام وسمكه ثلاث بوصات يحمل نقشاً مكتوباً عليه "لرمسيس الثاني نفسه"، وفقاً لبيان مترجم من المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي.
وقال إن الشك اعتراه عندما قرأ هذه النتائج، فقرر إعادة دراسة الملف نظراً إلى تعقيد هذه القضية. ويعتقد زملاؤه أن النقش المسبوق بكلمة "ملك" يشير إلى الكاهن الأكبر منخيبري الذي حكم جنوب مصر حوالي عام 1000 قبل الميلاد. وفي الواقع، يعود تاريخ هذا النقش إلى النقش السابق، وبالتالي تم تحديد مالكه الأول. وأوضح أيضاً أن نقوش "كتاب الأبواب"، وهي قصة استهلالية كانت مخصصة للملوك في عهد رمسيس، كانت موجودة أيضاً على التابوت.
وقال بايرودو: "يحمل النقش الملكي الاسم الملكي لتتويج رمسيس الثاني، ولكن أخفته حالة الحجر ونقش ثانٍ أضيف أثناء إعادة الاستخدام".
وكان علماء الآثار قد كشفوا منذ فترة طويلة أن رمسيس الثاني دُفن في تابوت ذهبي سُرق في العصور القديمة ونُقل إلى تابوت من المرمر حطّم في وقت لاحق. ووضعت آلاف القطع داخل التابوت الغرانيتي الكبير الذي سرقه منخيبري بعد 200 عام لإعادة استخدامه.
تجدر الإشارة إلى أن رمسيس الثاني كان أقوى حكام مصر القديمة وأشهرهم. عرفه خلفاؤه باسم "الجد الأكبر"، وقاد العديد من الحملات العسكرية ووسّع الإمبراطورية المصرية لتمتد من سوريا شرقاً إلى النوبة جنوباً، وكان ثالث فراعنة الأسرة التاسعة عشرة في مصر.
وسبق أن أعاد علماء من مصر وإنكلترا إنشاء وجه رمسيس الثاني عام 2022 باستخدام نموذج ثلاثي الأبعاد لجمجمته لإعادة بناء ملامحه، ثم عكسوا عملية الشيخوخة ليكشفوا عن وجهه في أوج سلطته. فكانت النتيجة "إعادة بناء وجه علمي" للفرعون بناءً على الأشعة المقطعية لجمجمته.
وقالت سحر سليم من جامعة القاهرة التي صممت النموذج الثلاثي الأبعاد للجمجمة، إن النتيجة كشفت عن حاكم "وسيم للغاية". وساعدت عملية إعادة تركيب الوجه على وضع وجه حي للمومياء، فكانت النتيجة وجهاً مصرياً وسيماً للغاية بملامح مميزة وبارزة.
ووصفت مديرة مختبر الوجه في جامعة ليفربول جون مورس التي أعادت تركيب وجه الفرعون كارولين ويلكنسون العملية بأنها علمية، إذ يؤخذ نموذج التصوير المقطعي المحوسب (CT) للجمجمة، والذي يعطي الشكل الثلاثي الأبعاد للجمجمة الذي يمكن إدخاله في نظام الكمبيوتر. ثم يتم تشريح الوجه المصمم مسبقاً بواسطة قاعدة بيانات يتم إدخالها وتعديلها لتناسب الجمجمة.
وقالت ويلكنسون: "نحن نقوم أساساً بإعادة تشكيل الوجه، بدءاً من أعلى الجمجمة إلى سطح الوجه مروراً بالبنية العضلية وطبقات الدهون ثم طبقة الجلد في النهاية. لدينا جميعاً الملامح والعضلات نفسها تقريباً. لكنّ لكل واحد منا نسباً مختلفة في شكل الجمجمة، ما يمنحنا أشكالاً ونسباً مختلفة قليلاً للعضلات، وهذا يؤثر مباشرةً على شكل الوجه".
هذا المشروع الثاني من نوعه الذي تشرف عليه سحر سليم، بعد مشروع إعادة بناء وجه توت عنخ آمون علمياً على يد النحات الملكي كريستيان كوربيت. وترى أن هذه العملية تساعد على استعادة إنسانية المومياوات: "إن وضع وجه على مومياء الملك سيؤنسنه ويخلق رابطاً بين المومياء والملك ويعيد له تاريخه. كان الملك رمسيس الثاني محارباً عظيماً حكم مصر لمدة 66 عاماً وأسس أول معاهدة في العالم".