فوجئ الرأي العام المصري بتقديم حكومة مصطفى مدبولي استقالتها، الاثنين، وإعادة الرئيس عبد الفتاح السيسي تكليفه تأليف حكومة جديدة. وتوقعت دوائر سياسية وبرلمانية أن يكتمل التشكيل الجديد خلال أيام، وذهب البعض إلى أن الحكومة الجديدة ربما تلتئم قبيل عطلة عيد الأضحى بدءاً من 15 حزيران (يونيو) الجاري، بينما تستمر الحكومة المستقيلة بممارسة مهماتها الى ذلك الحين.
وجاءت استقالة الحكومة بعد قرابة شهرين من تكهنات بإجراء تغيير وزاري تواكبت مع أداء الرئيس السيسي اليمين الدستورية، في شهر نيسان (أبريل) الماضي، لفترة رئاسية جديدة تستمر 6 سنوات، بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في نهاية عام 2023.
ويتولى مدبولي رئاسة مجلس الوزراء منذ حزيران 2018، وجاء تكليفه تشكيل الحكومة الجديدة مفاجئاً لكثير من المراقبين، خصوصاً أنه أتى بعد إصدار حكومته قرارات عدة أثارت ردود فعل متباينة في أوساط المواطنين، لأنها أثرت بشكل مباشر أو غير مباشر على أسعار السلع والخدمات، وكان آخرها، خلال الأيام القليلة الماضية، رفع سعر رغيف الخبز (المدعوم) للمرة الأولى منذ 30 عاماً، ليصبح ثمنه 20 قرشاً بدلاً من 5 قروش (الدولار الأميركي يساوي 47.1 جنيهاً).
لكن رغم القرارات الصعبة التي اتخذتها حكومة مدبولي، والتي أغضبت الكثير من المواطنين، إلا أن محللين وسياسيين وبرلمانيين مصريين يرون أنها كانت ضرورية لإخراج الاقتصاد المصري من معاناته المزمنة، بسبب تأجيل الكثير من القرارات خلال الحقب السياسية الماضية.
قرار طال انتظاره
النائبة إيفلين متى التي تقدمت بطلبات إحاطة عدة الى وزراء في الحكومة المستقيلة ترى أن توقيت الاستقالة والإبقاء على مدبولي لتشكيل الحكومة الجديدة هو "قرار حكيم من الرئيس السيسي، طال انتظاره".
وتقول متى لـ"النهار العربي" إن القرار "أمر صائب للغاية، فقد نجح مدبولي في اجتياز العديد من التحديات والأزمات الإقليمية والدولية التي مرت بها مصر والمنطقة والعالم، لذا أرى أن قرار الرئيس السيسي كان حكيماً، ويساعد على تنفيذ رؤيته لبناء الجمهورية الجديدة".
وتضيف: "لقد تجاوزنا العديد من الأزمات خلال فترة تولي مدبولي رئاسة الوزراء، بتوجيهات من الرئيس السيسي، وقد استمر البناء والتنمية في شتى ربوع مصر، وأؤكد أننا لو لم نكن محاطين بحزام النار الذي يلتف حولنا من كل جهة (في إشارة إلى حرب غزة، والصراع الدائر في السودان، والتوترات السياسية والعسكرية في ليبيا)، لكانت مصر في مكان آخر الآن".
ورغم حماستها الواضحة للخطوة الجديدة، أكدت "ضرورة اختيار مجموعة اقتصادية ذات كفاءة عالية في الحكومة الجديدة"، لافتة إلى أن المستقبل يكمن في "الزراعة والصناعة وجذب الاستثمارات الجديدة في تلك المجالات".
وقال وزير القوى العاملة والهجرة المصري الأسبق كمال أبو عيطة لـ"النهار العربي": "أنا لست من المؤيدين لتغيير الأشخاص، ولكنني أطالب بتغيير السياسات الضارة التي أفقرت شعبنا، وأضعفت عملتنا الوطنية، وأضرت بمواردنا".
وأضاف: "أطالب بالعدول عما يسمى ببرنامج الإصلاح الاقتصادي الذي يعد بالنسبة لي ولجموع شعبنا برنامجاً لإفقار المواطنين، والزج بهم تحت خط الفقر... هذا هو ما يهمني وليس تغيير الأشخاص".
اهتمام واسع
وتوقع النائب مصطفى بكري أن يكون التغيير الوزاري واسعاً ويطال وزارات عدة مهمة، وقال في تدوينة عبر "إكس" إن "خطاب التكليف واستقالة الحكومة يؤكدان أن (التغيرات في) حكومة الدكتور مدبولي الجديدة ستطال الكثير من الوزارات المهمة، وإلا اقتصر الأمر على أن يكون القرار هو إجراء تعديل محدد".
وأضاف: "الاستقالة تعني أننا أمام حكومة جديدة برئاسة مدبولي، مقابلات عدة أجراها رئيس الوزراء المكلف خلال الأسابيع الماضية، وهناك مقابلات أخري ستجرى، ويحتمل أن يتقدم رئيس الوزراء بالتشكيل الجديد قبيل إجازة عيد الأضحى المبارك، وبعد التشكيل ستكون هناك حركة واسعة للمحافظين".
وقد اهتمت وسائل الإعلام المحلية بالخبر وتناوله بعضها بالتحليل، ونشر موقع "القاهرة 24" الإخباري إنفوغرافاً أشار فيه إلى الأسباب التي جعلت رئيس مجلس الوزراء المستقيل يستمر في منصبه ويشكل الحكومة الجديدة. ومن الأسباب التي أشار إليها الموقع أنه "نجح في مواجهة تحديات (وباء) كورونا، والأوضاع العالمية والإقليمية، وساهم في جذب استثمارات ضخمة".
مهمات محددة
وبحسب بيان للمتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية المصرية أحمد فهمي فإن السيسي كلف مدبولي تشكيل حكومة جديدة من ذوي الكفاءات والخبرات والقدرات المتميزة، ووضع عدداً من الأهداف المحددة للتشكيل الوزاري الجديد.
وعلى رأس تلك الأهداف "الحفاظ على محددات الأمن القومي المصري في ضوء التحديات الإقليمية والدولية، ووضع ملف بناء الإنسان المصري على رأس قائمة الأولويات، بخاصة في مجالات الصحة والتعليم، ومواصلة جهود تطوير المشاركة السياسية"، إضافة إلى "ملفات الأمن والاستقرار ومكافحة الإرهاب بما يعزز ما تم إنجازه في هذا الصدد، وتطوير ملفات الثقافة والوعى الوطني، والخطاب الديني المعتدل، على النحو الذي يرسخ مفاهيم المواطنة والسلام المجتمعي".
كما أكد فهمي في بيانه "مواصلة مسار الإصلاح الاقتصادي، مع التركيز على جذب الاستثمارات المحلية والخارجية، وتشجيع نمو القطاع الخاص، وبذل كل الجهد للحد من ارتفاع الأسعار والتضخم وضبط الأسواق، وذلك في إطار تطوير شامل للأداء الاقتصادي للدولة في جميع القطاعات".