النهار

جسور الخرطوم مسرح عمليات خاطفة... ومدنيّو الفاشر محاصَرون
طارق العبد
المصدر: النهار العربي
العمليات العسكرية في بحري ستتصاعد أكثر في الأيام المقبلة، بالتزامن مع توسيع الجيش نطاق السيطرة غرب أم درمان، من دون إهمال احتمال شن هجمات مماثلة تطال الجسور الرابطة بين الأخيرة والخرطوم عند الجهة الجنوبية، حيث تقع مقار السلاح الطبي ومعسكر سلاح المهندسين.
جسور الخرطوم مسرح عمليات خاطفة... ومدنيّو الفاشر محاصَرون
محال تجارية محروقة في أم درمان (أ ف ب)
A+   A-
تتخذ المواجهات في الخرطوم بين الجيش السوداني و"قوات الدعم السريع" نمطاً جديداً عبر عمليات سريعة وخاطفة، تتركز على الجسور الرابطة بين مدن العاصمة، وهو ما تجسد أخيراً في منطقة بحري. أما في الفاشر في إقليم دارفور، فقد باتت حياة السكان مهددة أكثر من أي وقت مضى، بعد خروج المستشفى الرئيسي في المدينة من الخدمة، واستمرار المعارك في مختلف المواقع.
 
حرب الجسور مرة أخرى
فقد تمكن الجيش من الوصول إلى عمق مدينة بحري شمال الخرطوم للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب العام الفائت، وتحدث بيان للقوات المسلحة عن "عملية نوعية ناجحة أدت إلى تدمير عدد كبير من آليات العدو... وتمكنت من الوصول إلى عمق العدو في منطقة بحري وحلفايا". كما بث الجيش مقاطع مصورة تظهر مشاهد السيطرة للمرة الأولى منذ بداية الحرب على جسر الحلفايا الرابط بين أم درمان وبحري على نهر النيل.
 
وأفادت مصادر ميدانية "النهار العربي" بأن وحدات عسكرية نجحت في عبور الجسر الذي تسيطر عليه "قوات الدعم السريع" من الناحية الشرقية، مع تعزيزات وافدة من معسكر كرري غرباً وإسناد من معسكر الكدرو المجاور من الجهة الشرقية، وهو أحد المواقع القليلة التي لا يزال يحتفظ الجيش بتمركز فيها، وصولاً إلى السوق المركزي جنوباً في شمبات، قبل أن تقوم قوات الدعم بسحب مقاتليها من شرق النيل وحول مصفاة الجيلي شمالاً باتجاه مواقع القتال.
 
وأضافت المصادر أن الجيش عاد وانسحب إلى مواقع خلفية بعد تقدم لافت في بحري وما وصفته بتحقيق أهداف العملية، ليتركز القصف المدفعي والجوي جنوباً عند جسر شمبات الخارج من الخدمة منذ تشرين الثاني (نوفمبر) الفائت. واعتبرت المصادر أن العملية العسكرية هي بمثابة نقطة تحول في مسار الحرب، بالاعتماد على هجمات خاطفة تحقق اختراقات في صفوف "قوات الدعم السريع"، وتضعف مبدأ الفزع الذي تعتمده بنقل قواتها من موقع إلى آخر بتكتيكات سريعة جداً. كما تتقاطع هذه المعلومات مع تصريحات متزامنة لمساعد القائد العام للقوات المسلحة ياسر العطا الذي أعلن استمرار هذا النمط من العمليات ضمن مناطق لم يحددها.
 
كلمة السر في معركة العاصمة
في حديث إلى "النهار العربي" اعتبر الخبير الميداني مجتبى ود أحمد أن الهجوم الأخير كان متوقعاً لناحية المكان، لكنه كان عكس ذلك لجهة التوقيت، وفق تعبيره. وشرح أهمية المعركة قائلاً: "لا يختلف أحد على أهمية الجسور في العاصمة، ومن يسيطر أو يحيد العدد الأكبر منها يمتلك مفاتيح الانتصار. أما في الخرطوم بحري، فالجسر الوحيد الذي يمكن للجيش الاعتماد عليه هو الحلفايا، لأن القوات متمركزة في جهته الغربية في أم درمان، ويمكن للمدفعية في معسكر الكدرو إسناده بالتزامن مع المسيرات والطيران الحربي، وهذا ما حصل فعلاً. أما الجسور الباقية، فيبقى الإسناد الخاص بالجيش فيها ضعيفاً، رغم أن بعضها يتفوق بالأهمية على الحلفايا، مثل كبري الحديد الذي يربط سلاح الإشارة بالقيادة العامة في قلب الخرطوم".
 
وبحسب ود أحمد، فإن العمليات العسكرية في بحري ستتصاعد أكثر  في الأيام المقبلة، بالتزامن مع توسيع الجيش نطاق السيطرة غرب أم درمان، من دون إهمال احتمال شن هجمات مماثلة تطال الجسور الرابطة بين الأخيرة والخرطوم عند الجهة الجنوبية، حيث تقع مقار السلاح الطبي ومعسكر سلاح المهندسين.

دارفور على صفيح ساخن
 في غضون ذلك، ترتفع سخونة المعارك في الفاشر عاصمة شمال دارفور، مع تبادل القصف المدفعي وشن هجمات وصفها ناشطون ميدانيون بالأعنف منذ اندلاع المواجهات قبل شهر ونصف.
 
وأفادت المعلومات الواردة من المدينة بأن حياة السكان باتت في خطر محدق بعد خروج المشفى الرئيسي من الخدمة إثر استهدافه بالقصف من جانب "قوات الدعم السريع"، ما دفع المدنيين إلى نقل الجرحى من المركز الصحي الوحيد الذي يعاني بالأصل نقص الكوادر الطبية والمعدات، لا سيما بعد سحب منظمة أطباء بلا حدود فريقها من المدينة.
 
وتحدثت مصادر محلية إلى "النهار العربي" عن عمليات نزوح وصفتها بالعشوائية نحو مناطق لا تزال بعيدة عن الاشتباكات نسبياً، مثل دار السلام، وشنقل طوباي، وحتى نيالا جنوب دارفور. غير أن هذه المسارات لا تعتبر آمنة مع تسجيل عمليات نهب واختطاف وقتل للمدنيين، بحسب المصادر، بالتزامن مع غارات جوية كثيفة تطال الأحياء الشرقية في الفاشر حيث تدور مواجهات مع الدعم. وقدرت المصادر عدد الضحايا خلال الـ48 ساعة الأخيرة بـ84 مصاباً و45 قتيلاً، في أرقام أكدها لاحقاً المدير العام لوزارة الصحة في ولاية شمال دارفور في تصريحات إلى مواقع محلية.  
 
استمرار الإنزال الجوي... بانتظار قلب المعادلة
الخبير العسكري محيي الدين عادل قال إن الفاشر هي بمثابة الخط الأحمر بالنسبة إلى الجيش ومجلس السيادة.
 
ورغم التفوق بالعتاد والمقاتلين الذي يرجح كفة "الدعم السريع"، إلا أن الجيش سيواصل، بحسب قوله، عمليات الإنزال الجوي والإسناد بالطيران لحين التمكن من إحداث اختراق جدي.
 
وأضاف عادل لـ"النهار العربي" أن "سقوط الفاشر لا يعني فقط سقوط إقليم دارفور كاملاً، ولكنه تهديد جدي للولايات الشمالية ونهر النيل والنيل الأبيض وإقليم كردفان. لذلك أعتبره خطاً أحمر ممنوعاً تجاوزه، مع اليقين بأن الدعم يطوق المدينة من جهات عدة ولديه مدد عسكري واسع من مختلف ولايات الإقليم. ولكن الجيش يعتمد في المقابل على شراسة مقاتلي الحركات المسلحة من جهة، وتفوقه الجوي". 
 
أما الوضع الإنساني للمدنيين، فيصفه ابن إقليم دارفور بالكارثي بعد انسحاب معظم المنظمات الدولية وتعليق عملياتها، بالإضافة إلى خروج المرافق الصحية عن الخدمة.
 
وأضاف: "الدعم السريع يقول إنه مستعد لفتح ممرات آمنة لخروج المدنيين، لكن هذه الطرق يتعرضون فيها للنهب والقتل العشوائي على غرار ما حدث في ولاية الجزيرة. يضاف إلى ذلك انعدام وسائل النقل والمسافات البعيدة بين الفاشر وأي مناطق آمنة. والمشكلة الأكبر أن المدنيين هم من يدفعون ثمن القتال بين الطرفين".

 

اقرأ في النهار Premium