تزايدت المطالبات بوقف عمل بعض شركات النقل الذكي في مصر، خلال الأسابيع الماضية، وفي مقدمتها "أوبر" و"كريم" المملوكتين لـ"أوبر"، بعد تكرار حوادث تحرش ومحاولات اغتصاب لنساء وفتيات، خلال استقلالهن سيارات تابعة لتلك الشركات.
وتقدم محام مصري بدعوى قضائية لوقف ترخيص "أوبر" و"كريم"، بتهمة مخالفة الترخيص الممنوح لهما من السلطات المصرية. وقبل نحو ثلاثة أسابيع، تقدمت نائبة برلمانية، بطلب إحاطة لوقف نشاط الشركتين.
وسط حالة الغضب والتحركات القانونية والبرلمانية، طرحت تساؤلات بشأن جدوى إيقاف تراخيص تلك الشركات، وهل إيقافها هو الحل الأفضل لجعل رحلات النساء أكثر أماناً؟ وهل الاعتماد على البديل الأقرب لها، وهو التاكسي، يوفر قدراً أكبر من الأمان للنساء والأطفال؟
وتقوم شركات النقل الذكي في مصر بملايين الرحلات كل عام لنقل زبائنها، وتستحوذ "أوبر" على حصة كبيرة من السوق في هذا البلد الذي يبلغ عدد سكانه قرابة 110 ملايين نسمة، وكانت الشركة أول من عمل بمجال النقل الذكي في مصر، وبدأت نشاطها هنا عام 2014، وهي تضم أكثر من 700 ألف سائق (كابتن) يعملون في مصر، يخدمون أكثر من 5 ملايين مستخدم.
خلل محدد
تقول عضو المجلس القومي للمرأة سابقاً الدكتورة عزة هيكل لـ"النهار العربي": "لا أعتقد أن التحرش هو ظاهرة وسط سائقي "أوبر" و"كريم"، ولكنها حوادث نسبتها ضئيلة إذا قارنها بعدد الرحلات الضخم التي تقوم بها تلك الشركات".
لكن الأستاذة الجامعية الناشطة في مجال حقوق المرأة لا تعفي الشركتين من المسؤولية، وتقول: "يجب أن يكون هناك تدقيق في بيانات المتعاونين مع شركات النقل الذكي، ويتم التحقق من معلوماتهم الجنائية، ويجب أيضاً تفعيل خاصية GPS طوال الرحلة، لأن هذا يوفر أماناً للأطراف كافة، سواء الراكب أو قائد السيارة".
وترى أن "التاكسي الذي يتم إيقافه من الشارع، ويتحرك دون أي خاصية تتبع أو توفر لمعلومات السائق والراكب، ليس أكثر أماناً بالطبع إذا قارناه بشركات النقل الذكي، ودليل نجاح هذه التجربة هو أن هناك شركات جديدة ظهرت أو تستعد للظهور في السوق، ومنها شركات مصرية قيد التحضير".
وتلقي هيكل قدراً من المسؤولية على المجتمع، وتقول إن "المجتمع لديه مسؤولية في أن يرسخ مفهوم الاحترام للمرأة بغض النظر عما ترتديه من ثياب، ولا يتسامح مع من يقولون إن المرأة التي ترتدي أزياء معينة يمكن التحرش بها، لأن هذا غير مقبول لا أخلاقياً ولا دينياً".
حق التقاضي
بالنسبة لرئيسة المركز المصري لحقوق المرأة المحامية نهاد أبو القمصان فإن "مطالبة محامٍ بإلغاء ترخيص الشركتين، هذا حقه، طالما لم تلتزما بالقواعد التي منحتا الترخيص على أساسها، هذا حقه تماماً بعد الجرائم التي شهدناها".
وكانت ثمة حوادث واتهامات عدة واجهت الشركتان، كان أشهرها واقعة حبيبة الشماع، التي قفزت من السيارة بعدما تحرش السائق بها.
وتقول أبو القمصان لـ"النهار العربي": "مع الاعتراف بهذا الحق، يبقى السؤال هو: هل هذا هو الحل؟ بالطبع ليس هذا هو الحل. مع احترامي للزميل المحامي، أعتقد أن طلب إلغاء الترخيص يأتي كخطوة تالية، والخطوة الأولى هي المطالبة بتغريم الشركات مبالغ ضخمة بسبب الانتهاكات التي حدثت، وإذا لم تلتزم بالمعايير الصحيحة، هنا نبدأ بالمطالبة بإلغاء الترخيص، ولن نخسر كثيراً إذا تم ذلك".
أما بالنسبة لمدى أمان استقلال التاكسي فترى أنه "ليس أكثر أماناً من شركات النقل الذكي، لكنه ليس أكثر سوءاً، فيمكن أن يكون تحت الرقابة، خصوصاً أن منح التراخيص للمتاجر وحتى الأكشاك يستلزم تركيب كاميرات مراقبة، كما أن انخفاض سعر تلك الكاميرات دفع الكثير من المنازل لتركيبها، ومن ثم إذا تم تحديد موقع أي جريمة يمكن تتبعها".
وتضيف: "يجب أن ندرك أن كشف بعض الجرائم لم يحدث بسبب مساعدة قدمتها تلك الشركات، المساعدة الوحيدة التي قدمتها هي الإفصاح عن بيانات المتهمين، وسجلاتهم، والشكاوى التي تم تقديمها فيهم".
وتشير أبو القمصان إلى أن "تلك الشركة قالت في تحقيقات تتعلق بواقعة الشماع إنها قامت بإغلاق الحساب الخاص بالمتهم، ثم قام بالتقديم مجدداً ففتحت له حساباً آخر. هل هذا يعقل؟! حين بدأت "أوبر" عملها بمصر، كانت تقوم بإجراء مقابلات مع السائقين لتقييمهم قبل العمل، ومن الواضح أن هذا لم يعد يحدث، ويبدو أن التقديم بات أونلاين، ويمكن للسائق أن يرسل أي أوراق مزورة ويتم قبوله، ولم تعد الشركة تطلب تحليل مخدرات. ثمة انتهاكات عدة كشفتها الحوادث الأخيرة، وهذا يقول إنها ليست أفضل من التاكسي".
الردع والرقابة
من جانبه يقول الخبير القانوني والمحامي بالنقض هاني صبري لـ"النهار العربي": "في تقديري إلغاء تراخيص "أوبر" و"كريم" ليس الحل، ويجب معالجة المشاكل الناتجة عن التشغيل، لأن تكرار الحوادث خلال فترة وجيزة، يشير إلى حدوث خلل في منظومة التشغيل لديهما".
ويعتقد أن الحل هو "تشديد الإجراءات ضد شركات النقل الذكي، والرقابة المستمرة لمعرفة مدى التزامها بالقانون، وضرورة وضع ضوابط جديدة لهذه الشركات بما يضمن الحفاظ على استمرار الخدمة، وتوفير سُبل الأمان للركاب، والضرب بيد من حديد وفقاً للقانون على كل من يخالف الضوابط".
ويرى صبري "ضرورة إحالة المتهمين إلى محاكمة جنائية عاجلة، وإذا ثبت ارتكابهم للجريمة تطبق عليهم أقصى عقوبة مقررة في قانون العقوبات، وذلك لتحقيق الردع العام والخاص لمنع كل من تسول له نفسه ارتكاب جرائم بحق المواطنين الأبرياء".
ردة فعل الزبائن
تباينت ردود فعل الزبائن على تلك الحوادث، فبينما تستغرق الإجراءات القانونية وقتاً طويلاً نسبياً، كان القرار سريعاً بالنسبة للأشخاص الذين يلجأون لخدمات تلك الشركات بشكل يومي أو دوري، فبعض السيدات بتن يعتمدن على الزوج أو الأقرباء لتوصيلهن، فيما استمرت أخريات في استخدام شركات النقل الذكي.
من جانبها تقول المؤلفة والمخرجة خديجة محمد لـ"النهار العربي": "اعتمدت على تلك الشركات لسنوات، ولم يحدث ما يمنعني من استخدامها".
وتضيف: "بالنسبة للتاكسي، استخدمه عند الضرورة، لكنني أنظر أولاً إلى السائق، واختاره متقدماً في العمر، خصوصاً أنني أسكن في مدينة 6 أكتوبر، وهي منطقة بعيدة نسبياً وبها الكثير من المناطق الخالية".