النهار

السّودان: الجيش يتعثّر في ولاية الجزيرة والوضع الإنسانيّ ينهار في دارفور
طارق العبد
المصدر: النهار العربي
شهدت جبهات ولاية الجزيرة زيارات متكررة لقائد الجيش ومساعده شمس الدين كباشي، وتغييرات في القادة الميدانيين، ولكن الواقع الملموس على الأرض لم يتغير.
السّودان: الجيش يتعثّر في ولاية الجزيرة والوضع الإنسانيّ ينهار في دارفور
سودانيون هاربون من الحرب في ولاية الجزيرة (أ ف ب)
A+   A-
أعاد هجوم "قوات الدعم السريع" على قرية ود النورة، طرح التساؤلات عن جدوى العملية العسكرية التي أطلقها الجيش السوداني لاستعادة ولاية الجزيرة، في وقت تتزايد كثافة هجمات المسيرات في مناطق تبدو مستقرة وبعيدة عن الحرب. أما في دارفور، فتتزايد الأوضاع الإنسانية صعوبة مع اقتحام قوات الدعم آخر مستشفى عامل في مدينة الفاشر المحاصرة ونازحيها.

ماذا يحدث في ولاية الجزيرة؟
مع نهاية شهر رمضان الفائت، شن الجيش السوداني مدعوماً بالحركات المسلحة، هجوماً من محاور عدة للتقدم واستعادة ولاية الجزيرة التي سقطت في يد "قوات الدعم السريع" في كانون الأول (ديسمبر) الماضي. وتحركت فرق عدة من ولايات النيل الأزرق وسنار والقضارف، وصولاً إلى المناقل أقصى جنوب الولاية التي تعرض أهلها لانتهاكات واسعة كان آخرها الضربات التي شنتها قوات الدعم على قرية ود النورة، ما أدى إلى مقتل أكثر من 200 شخص بحسب مصادر محلية؛ وهو ما أعاد إلى الأذهان التساؤلات حول مصير المعارك التي شنها الجيش في الولاية ولم تحقق أهدافها كاملةً.
 
وتقول مصادر ميدانية لـ"النهار العربي" إن العمليات العسكرية شهدت مطبات متعددة؛ بداية من تكتيك الالتفاف الذي تعتمده "قوات الدعم السريع" على الأرتال المتحركة، وبخاصة من جهة منطقة الفاو جنوب شرقي الجزيرة، وتكثيف الهجمات المضادة في أقصى شمال ولاية سنار للقضاء على أي مخططات للهجوم؛ وهو ما عرقل تحركات الجيش مرات عدة، وصولاً إلى تجميد بعض المحاور. غير أن المصادر ذاتها تكشف عن أزمتين تصفهما بالأصعب؛ تتعلق الأولى بحجم الاختراقات في صفوف القوات المسلحة لدرجة فرض تعتيم إعلامي وعدم تنوير كامل الضباط بواقع المواجهات؛ أما الثانية فتتعلق بنقص الذخيرة والعتاد، بحسب قولها.
 
وتتوقع المصادر أن يكون موسم الخريف أكثر صعوبة على قوات الدعم، مع هطول الأمطار بغزارة والفيضانات التي تتعرض لها القرى والطرق الترابية، ما سيجعل الحركة شاقة. وهو ما يمكن أن يستفيد منه الجيش لاحقاً. غير أن للخبير العسكري والميداني محمد عادل رأياً مختلفاً، فاعتماد الجيش على الحركات المسلحة لم يثبت فاعليته الواسعة، بحسب قوله. يضاف إلى ذلك البطء الشديد في التقدم في مساحات جغرافية زراعية، بدل شن هجمات أكثر كثافة.
 
ويقول عادل لـ"النهار العربي": "شهدت جبهات ولاية الجزيرة زيارات متكررة لقائد الجيش ومساعده شمس الدين كباشي، وتغييرات في القادة الميدانيين، ولكن الواقع الملموس على الأرض لم يتغير. وبعد اقتحام "قوات الدعم السريع" ود النورة، مثلاً، توجه قائد الجيش عبد الفتاح البرهان إلى المناطق القريبة منها، وتقدم الجيش بالفعل نحو القرية، غير أنه عاد وانسحب بعد غروب الشمس".

معركة فاصلة في الفاشر
إلى ذلك، قالت مصادر محلية في الفاشر إن "قوات الدعم السريع" اقتحمت المستشفى الجنوبي في عاصمة ولاية شمال دارفور، وأكدت لـ"النهار العربي" أن المرفق الصحي الوحيد الذي كان يخدم المدينة بات تحت سيطرة الدعم، مع احتجاز الأطباء ومصادرة هواتفهم، وإصابة مدير المستشفى، قبل أن تدور المعارك في محيطه وضمن المدينة على ثلاث جهات من الشمال الشرقي والجنوب والغرب، وتركزت ضمن مناطق وسط المدينة وشرقها. وبدا لافتاً تعرض محلية الكومة شرقاً لغارات جوية من الجيش، علماً أن البلدة لا تخضع لسيطرة الدعم، بل ينتشر فيها عناصر تابعون للقوات النظامية. وتتحدث المصادر هناك عن أعنف هجوم تتعرض له الفاشر منذ انهيار اتفاقات سابقة نصت على تحييدها قبل شهر ونصف.
 
السيناريو الآتي في دارفور 
بالتزامن مع المواجهات العنيفة في الفاشر، كان لافتاً حديث حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي عن الهجوم ومخاطر سقوط المدينة، وكذلك تصريحات نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار عن مخططات لإعلان حكومة على غرار التجربة الليبية. وهو كلام يفسره الباحث عماد عوض المحمود في حديث إلى "النهار العربي". فالمشهد الميداني هناك يوحي بخطة الجيش والحركات المسلحة  القائمة على استنزاف موجات الهجوم التي يشنها الدعم، وإطالة الصراع لإنهاك قواته هناك، نظراً إلى ما يشكله سقوط المدينة من خطر استراتيجي. ويعلق المحمود: "يعتمد الجيش على الإنزال الجوي لمد فرقه العسكرية والحركات المسلحة بالذخيرة لتمكينها من استنزاف الدعم ومقاتليه. ولكن هذا الأمر يعني حرب النفس الطويل، ومحاولة كل طرف إنهاك الآخر تمهيداً لاستسلامه. وهو ما لن يحدث، فلا الجيش مستعد للتخلي عن آخر مواقعه في دارفور، وبالتالي خطر الانفصال تحت الأمر الواقع، ولا قوات الدعم السريع بوضع يجعلها منهكة بوجود خزان بشري ضخم من المقاتلين والسلاح". ويخلص المحمود إلى فكرة استمرار الاستنزاف بين الطرفين حتى يعلن أحدهما التراجع، محذراً في الوقت ذاته من خطورة الوضع الإنساني والإبادة العرقية التي تتكرر في مواقع عدة في الإقليم بصورة أكثر بشاعة مما جرى قبل عشرين عاماً. ويقول: "ستخضع قوات الدعم السريع الجميع بالقوة لو أطبقت السيطرة على دارفور، وهذا يعني تصفية الحساب مع القبائل التي رفضت التعاون مع حميدتي. لذلك فإن السيناريو الآتي لدارفور لن يكون هادئاً، بل ربما تنتظر حمامات دم ربع مساحة السودان".
 

اقرأ في النهار Premium